الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٍ وَلاَ مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍ فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَمَن لَّمْ يَسْتَطعْ منكُمْ } { مَنْ } إما شرطية وما بعدها شرطها، وإما موصولة وما بعدها صلتها، و { منكُمْ } حال من الضمير في { يَسْتَطِعْ } وقوله سبحانه: { طَولاً } مفعول به ـ ليستطع ـ وجعله مفعولاً لأجله على حذف مضاف أي لعدم طول تطويل بلا طول. والمراد به الغنى والسعة وبذلك فسره ابن عباس ومجاهد، وأصله الفضل والزيادة، ومنه الطائل، وفسره بعضهم بالاعتلاء والنيل فهو من قولهم: طلته أي نلته، ومنه قول الفرزدق:
إن الفرزدق صخرة ملمومة   (طالت) فليس تنالها الأوعالا
قوله عز وجل: { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } أي الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات، وعبر عنهن بذلك لأن حريتهن أحصنتهن عن نقص الإماء ـ إما أن يكون متعلقاً بـ { طَولاً } على معنى ـ ومن لم يستطع أن ينال نكاح المحصنات ـ وإما أن يكون بتقدير إلى أو اللام والجار في موضع الصفة لـ { طَولاً } أي ـ ومن / لم يستطع غنى موصلاً إلى نكاحهن ـ أو لنكاحهن ـ أو ـ على ـ على أن الطول بمعنى القدرة ـ كما قال الزجاج، ومحل { أن } بعد الحذف جر، أو نصب على الخلاف المعروف، وهذا التقدير قول الخليل، وإليه ذهب الكسائي، وجوز أبو البقاء أن يكون بدلاً من { طَولاً } بدل الشيء من الشيء، وهما لشيء واحد بناءاً على أن الطول هو القدرة أو الفضل والنكاح قوة وفضل، وقيل: يجوز أن يكون مفعولاً ـ ليستطع ـ و { طَولاً } مصدر مؤكد له إذ الاستطاعة هي الطول أو تمييز ـ أي ومن لم يستطع منكم استطاعة ـ أو من جهة الطول والغنى أي لا من جهة الطبيعة والمزاج إذ لا تعلق لذلك بالمقام.

وقوله تعالى وتقدس: { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم } جواب الشرط أو خبر الموصول وجاءت الفاء لما مر غير مرة، و { مَا } موصولة في محل جر بمن التبعيضية، والجار والمجرور متعلق بفعل مقدر حذف مفعوله، وفي الحقيقة متعلق بمحذوف وقع صفة لذلك المفعول أي فلينكح امرأة كائنة بعض النوع الذي ملكته أيمانكم، وأجاز أبو البقاء كون (من) زائدة أي فلينكح ما ملكته أيمانكم، وقوله تعالى: { مّن فَتَيَـٰتِكُمُ } أي إمائكم { ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } في موضع الحال من الضمير المحذوف العائد إلى { مَا } ، وقيل: (من) زائدة، و { فَتَيَـٰتِكُمُ } هو المفعول للفعل المقدر قبل، و ـ مما ملكت ـ متعلق بنفس الفعل، و (من) لابتداء الغاية، أو متعلق بمحذوف وقع حالاً من هذا المفعول، و (من) للتبعيض، و (المؤمنات) على جميع الأوجه صفة (فتياتكم)، وقيل: هو مفعول ذلك الفعل المقدر، وفيه بعد.

وظاهر الآية يفيد عدم جواز نكاح الأمة للمستطيع لمفهوم الشرط ـ كما ذهب إليه الشافعي ـ وعدم جواز نكاح الأمة الكتابية مطلقاً لمفهوم الصفة كما هو رأي أهل الحجاز ـ وجوزهما الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه لإطلاق المقتضى من قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7