الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً }

جملة معترضة بين مقالات نوح عليه السلام وليست من حكاية قول نوح فهي إخبار من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بأنه قدر النصر لنوح والعقابَ لمن عَصوْه من قومه قبل أن يسأله نوح استئصالهم فإغراق قوم نوح معلوم للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما قصد إعلامه بسببه. والغرض من الاعتراض بها التعجيل بتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يلاقيه من قومه مما يماثل ما لاقاه نوح من قومه على نحو قوله تعالىولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } إبراهيم 42. ويجوز أن تكون متصلة بجملةولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } نوح 24على الوجه الثاني المتقدم فيها من أن تكون من كلام الله تعالى الموجه إلى نوح بتقدير وقلنا لا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً، وتكون صيغة المضي في قوله { أغرقوا } مستعملة في تحقق الوَعد لنوح بإغراقهم، وكذلك قوله { فأُدخلوا ناراً }. وقُدم { مما خطيئاتهم } على عامله لإِفادة القصر، أي أغرقوا فأدخلوا ناراً من أجل مجموع خطيئاتهم لا لمجرد استجابة دعوة نوح التي ستذكر عقب هذا ليعلم أن الله لا يُقر عباده على الشرك بعد أن يرسل إليهم رسولاً وإنما تأخر عذابهم إلى ما بعدَ دعوة نوح لإِظهار كرامته عند ربه بين قومه ومسرة له وللمؤمنين معه وتعجيلاً لما يجوز تأخيره. و مِن تعليلية، و ما مؤكدة لمعنى التعليل. وجمع الخطيئات مراد بها الإشراك، وتكذيب الرسول، وأذاه، وأذى المؤمنين معه، والسخرية منه حين توعدهم بالطوفان، وما ينطوي عليه ذلك كله من الجرائم والفواحش. وقرأ الجمهور { خطيئاتهم } بصيغة جمع خطيئة بالهمز. وقرأه أبو عمرو وحده { خطاياهم } جمع خَطيَّة بالياء المشددة مدغمة فيها الياء المنقلبة عن همزةٍ للتخفيف. وفي قوله { أغرقوا فأدخلوا ناراً } محسن الطباق لأن بين النار والغرق المشعر بالماء تضاداً. وتفريع { فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً } تعريض بالمشركين من العرب الذين كانوا يزعمون أن الأصنام تشفع لهم وتدفع عنهم الكوارث يعني في الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالبعث، أي كما لم تَنصر الأصنام عبدتها من قوم نوح كذلك لا تنصركم أصنامكم. وضمير { يجدوا } عائد إلى { الظالمين } من قولهولا تزد الظالمين إلاّ ضلالاً } نوح 24 وكذلك ضمير { لهم }. والمعنى فلم يجدوا لأنفسهم أنصاراً دون عذاب الله.