الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ }

عطف علىإنه لقول رسول كريم } التكوير 19، وهذا رجوع إلى ما أقسم عليه من أن القرآن قول رسول كريم، بعد أن استُطرد بينهما بتلك المستطردات الدالة على زيادة كمال هذا القول بقُدسية مصدره ومكانةِ حامله عند الله وصدقِ متلقيه منه عن رؤية محققة لا تخيل فيها، فكان التخلص إلى العَود لتنزيه القرآن بمناسبة ذكر الغيب في قوله تعالىوما هو على الغيب بضنين } التكوير 24. فإن القرآن من أمر الغيب الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم وفيه كثير من الأخبار عن أمور الغيب الجنة والنار ونحو ذلك. وقد علم أن الضمير عائد إلى القرآن لأنه أخبر عن الضمير بالقول الذي هو من جنس الكلام إذ قالوما هو بقول شيطان رجيم } التكوير 25 فكان المخبر عنه من قبيل الأقوال لا محالة، فلا يتوهم أن الضمير عائد إلى ما عاد إليه ضمير { وما هو على الغيب بضنين }. وهذا إبطال لقول المشركين فيه أنه كاهن، فإنهم كانوا يزعمون أن الكهان تأتيهم الشياطين بأخبار الغيب، قال تعالىوما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون } الحاقة 41 ـــ 42 وقالوما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون } الشعراء 210، 211 وقالهل أنبئكم على من تنزّل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم } الشعراء 221، 222 وهم كانوا يزعمون أن الكاهن يتلقى عن شيطانه ويُسمون شيطانَه رَئيّاً. وفي حديث فترة الوحي ونزول سورة والضحى أن حمالة الحطب امرأة أبي لهب وهي أم جميل بنتُ حرب قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم «أرى شيطانَك قد قلاك». و { رجيم } فعيل بمعنى مفعول، أي مرجوم، والمرجوم المبعد الذي يتباعد الناس من شره فإذا أقبل عليهم رجموه فهو وصف كاشف للشيطان لأنه لا يكون إلا مُتَبَّرأ منه.