الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }

{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } جواب لسؤال مقدّر عن حال الرّسل وتساويهم وتفاضلهم وتمهيد لبيان تفضيله (ص) على الآخرين { فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } فى منقبة دون منقبة كأكثر الانبياء الّذين لم يكونوا اولى العزم او فى اكثر المناقب كاولى العزم وغيرهم من ذوى الدّرجات منهم او فى الكلّ كخاتم الانبياء (ص) { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } خبر بعد خبر ان جعل تلك الرّسل مبتدأ، او تلك مبتدأ والرّسل خبره، او هو خبر ابتداء ان جعل فضّلنا حالاً او معترضاً، او هو مستأنف جواب لسؤالٍ مقدّرٍ او بيان لفضّلنا بعضهم على بعضٍ نظير عطف البيان فى المفردات وهذا بيان للتّفضيل بمنقبةٍ خاصّةٍ { وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ } بيان للتّفضيل فى مناقب عديده، ودرجات تميز محوّل عن المفعول وليس حالاً ولا قائماً مقام المصدر كما قيل للاحتياج الى كلفة التّأويل حينئذٍ، عن النّبىّ (ص) انّه قال " ما خلق الله خلقاً افضل منّى ولا اكرم عليه منّى، قال علىّ (ع) فقلت: يا رسول الله افأنت افضل ام جبرئيل؟- فقال: انّ الله فضّل انبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلنى على جميع النّبيّين والمرسلين، والفضل بعدى لك يا علىّ وللائمّة من بعدك وانّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا " { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } المعجزات الظّاهرة المذكورة فى الكتاب { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } تأييداً خاصّاً غير التّأييد الّذى كان لسائر الانبياء وقد التفت فى الكلام من الغيبة الى التّكلّم ثمّ منه الى الغيبة ثمّ منها الى التّكلّم ثمّ منه الى الغيبة فيما يأتى، والوجه العامّ فى الالتفات ايقاظ المخاطب للتّوجّه الى الكلام توجّهاً اتمّ من التّوجّه السّابق وتجديد نشاطه، ويوجد فى خصوص الموارد بعض الدّواعى الخاصّة { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } عدم الاقتتال عطف على محذوفٍ جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل فما فعل النّاس بعد مجيء الرّسل؟ - فقال: اختلفوا واقتتلوا، ولو شاء الله { مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم } اى الّذين كانوا موجودين من بعد مجيئهم او من بعد وفاتهم فيكون تعريضاً بالاختلاف والقتال الواقع فى زمان محمّد (ص) او بعد وفاته (ص) وتسلية له (ص): ولأوصيائه { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } اى المعجزات او الدّلائل الواضحات او الموضحات { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ } قياس استثنائىّ مشير الى رفع التّالى المستلزم لرفع المقدّم اعنى مشيئة عدم الاقتتال وهو بمفهومه اعمّ من مشيئة الاقتتال لكنّه بحسب الواقع مستلزم له { فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ } الفاء سببيّة او عاطفة للتّفصيل على الاجمال والمراد الايمان العامّ الحاصل بالبيعة العامّة { وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ } لمّا نسب الاختلاف اليهم وكذا الايمان والكفر توهّم منها انّهم هم الفاعلون لافعالهم من دون فاعليّة الله تعالى وسببيّة مشيئته فكرّر الشّرطيّة السّابقة دفعاً لهذا التّوهّم وتأكيداً لنسبة الافعال الى المشيئة بل حصراً لنسبة الافعال اليه تعالى من دون استقلال الغير بها او مشاركته ولذلك أتى باستثناء التّالى بحيث يفيد نسبة الافعال اليه تعالى بطريق الحصر فقال:

تحقيق الجبر والقدر والامر بين الامرين وتحقيق بعض المطالب

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ } لا غيره { يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } وهذا فى موضع لكن اختلفوا فكأنّه قال ولكن اختلفوا وليس الاختلاف منهم ولا بمشاركتهم بل الله فعل الاختلاف فى مظاهرهم وقد اشار تعالى الى كبرى قياس من الشّكل الاوّل مستنبط صغراه من المقدّمات المسلّمة المشهورة وهى كلّ شيءٍ من افعال العباد وصفاتهم وغيرها ممّا له سمة الامكان فهو مراده تعالى لتسليم كلّ من اقرّ بالمبدء الاوّل ان لا شيء فى عالم الامكان الاّ بعلمه ومشيئته وارادته، وكلّ مراده فهو مفعول له لا لغيره لا بالاستقلال ولا بالشّراكة فكلّ شيءٍ من الذّوات والاعراض وافعال العباد مفعول له تعالى لا لغيره فعلى هذا يكون افعال العباد فعل الله لكن فى مظاهر العباد.

السابقالتالي
2 3