الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } اختلف فيه؛ قيل: الجنة، والسلام: الله أضافها إلى نفسه؛ كقوله:وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } [الجن: 18] فأضاف الجنة إلى السلام إن كان دار السلام هي الجنة، فهو - والله أعلم - لأن المساجد هي أمكنة يقام فيها القرب، والجنة هي مكان اللذة وقضاء الشهوة، فأضافها إلى السلام لما يسلم أهلها عن جميع الآفات، والمساجد خصت بالإضافة إلى الله تعالى؛ لأنها أمكنة يقام فيها القرب.

وقال بعضهم: دار السلام: الإسلام.

ثم يحتمل كل واحد من التأويلين وجهين بما سمى الإسلام دار السلام والجنة، كذلك سمى الإسلام دار السلام؛ لأنه يأمن ويسلم كل من دخل فيه عن جميع الأهوال والآفات التي تكون.

والثاني: سمى [الإسلام دار السلام] أضافه إلى نفسه؛ كقوله:أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ... } الآية [الزمر: 22]، أخبر أنه على نور من ربه؛ فعلى ذلك إضافة الإسلام إليه.

ومن قال: دار السلام الجنة سمى دار السلام؛ لأن كل من دخل الجنة سلم وأمن عن الأهوال كلها والآفات جميعاً.

والثاني: دار: الجنة، والسلام: الله أضاف إليه؛ لأنها دار أوليائه، وقد تضاف إلى الله على إرادة أوليائه، والله أعلم.

وروي في بعض الأخبار عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قيل لي لتنم عينك، وليعقل قلبك، ولتسمع أذنك فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني، ثم قيل لي: سيد بنى داراً وجعل مأدبة وأرسل داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة ولم يرض عنه السيد فالله السيد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم ".

إن ثبت هذا الخبر ففيه أن الدار الإسلام على ما قاله بعض أهل التأويل وفي خبر آخر عن جابر بن عبد الله قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي، قال أحدهما لصاحبه: اضرب له مثلا، قال: اسمع سمعت أذنك، وأعقل عقل قلبك، إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ داراً ثم بنى فيها بنياناً فأتمه، ثم جعل فيها المأدبة، ثم بعث رسولا يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه، فالله الملك والدار الإسلام والبيت الجنة، وأنت يا محمد الرسول، ومن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها ".

هذا يدل - أيضاً - إن ثبت أن الدار التي ذكر في الآية هو الإسلام، والله أعلم.

السابقالتالي
2