الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }

قوله: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ } في الضميرين- أعني " هم " وهاء " عنه " - أوجه:

أحدها: أن المرفوع يعود لعى الكُفَّارِ، والمجرور يعود على القرآن الكريم، وهو أيضاً الذي عَادَ عليه الضَّميرُ المَنْصُوب من " يَفْقَهُوه " ، والمُشَارُ إليه بقولهم: " إنْ هَذَا ".

والثاني: أنَّ " هم " يعود على من تَقدَّمَ ذكرهم من الكُفَّار، وفي " عنه " يعود على الرسول، وعلى هذا ففيه الْتِفَاتٌ من الخطاب إلى الغَيْبَةِ، فإن قوله: { جَاءُوَكَ يُجَادلونك } خطابٌ للرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلام، فخرج من هذا الخطاب إلى الغَيْبَةِ.

وقيل: يعود المرفوع على أبي طالب وأتْبَاعِهِ.

وفي قوله: " يَنْهَوْنَ " و " يَنْأوْنَ " تَجْنِيسُ التصريف، وهو عِبَارةٌ عن انفراد كل كلمة عن الأخرى بحرف فـ " ينهون " انفردت بالهاء، و " يَنْأوْن " بالهمزة، ومثله قوله تعالى:وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ } [الكهف:104]بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُون } [غافر:75].

وقوله عليه الصلاة والسلام: " الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيْهَا الخَيْرُ " ، وبعضهم يسميه " تجنيس التَّحْرِيف " وهو الفرق بين كلمتين بحرف وأنشدوا في ذلك قول القائل: [الكامل]
2128- إنْ لَمْ أشُنَّ عَلَى ابْنِ حَرْبٍ غَارَةً   لَمْ تَخْلُ يَوْماً مِنْ نِهابِ نُفُوسِ
وذكر غيره أن " تجنيس التحريف " هو أن يكون الشَّكْلُ، فرقاً بين كلمتين، وجعل منه " اللُّهَى تفتح اللَّهى " وقد تقدَّم تحقيقه.

وقرأ الحسن " ويَنَوْن " بإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها، وهو تخفيف قياسي.

و " النَّأيُ ": البُعْدُ، قال: [الطويل]
2129- إذَا غَيَّرَ النَّأيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَزَلْ   رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
وقال الآخر في ذلك، فأجَادَ، [الطويل]
2130- ألاَ حَبَّذا هِنْدٌ وأرْضٌ بِهَا هِنْدُ   وهِنْدٌ أتَى مِنْ دُونِهَا النَّايُ والبُعْدُ
عطف الشيء على نفسه للمُغَايَرَةَ اللَّفْظيَّة يقال: نَأى زيد يَنْأى نَأياً، ويتعدَّى بالهمزة، فيقال: أنْأيْتُهُ، ولا يُعَدَّى بالتضعيف، وكذا كل ما كان عينه همزةً.

ونقل الواحدي أنه يقال: نَأيْنُهُ بمعنى نَأيْتُ عنهُ.

وأنشد المُبَرِّدُ:[الطويل]
2131- أعَاذِلُ إنْ يُصْبِحْ صَدَاي بِقَفْرَةٍ   بَعيداً نآنِي صَاحِبِي وَقَريبِى
أي: نَأى عَنَّي.

وحكى اللَّيْثُ: " نَأيْتُ الشيء " ، أي: أبْعَدْتُهُ، وأنشد: [الطويل]
2132- إذَا مَا الْتَقَيْنَا سَالَ مِنْ عَبَرَاتِنَا   شَآبيبُ يُنْأى سَيْلُهَا بالأصَابِع
فَبَنَاهُ للمفعول، أي: يُنَحِّى ويُبْعَدُ.

والحاصلُ أنَّ هذه المادة تَدُلُّ على البُعْدِ، ومنه أتَنَأى أي: أفْعَلُ النَّأيَ. والمَنْأى: الموضع البعيدُ.

قال النابغة: [الطويل]
2133- فَإنَّكَ كالمَوْتِ الَّذِي هُوَ مُدْرِكِي   وَإنْ خِلْتُ أنَّ المُنْتَأى عَنْكَ وَاسِعُ
و " تَنَاءَى " أي: تباعد، ومنه النُّؤيُ للحُفَيْرَةِ التي حول الخِبَاءِ لتبعد عنه الماء.

وقُرِئ: { ونَاءَ بِجَانِبِهِ } [فصلت:51] وهو مَقْلُوبٌ من " نأى " ، ويَدُلُّ على ذلك أنَّ الأصل هو المَصْدَرُ وهو " النَّأيُ " بتقديم الهمزة على حرف العِلَّة.

السابقالتالي
2