قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ عن إيثار الدنيا على الآخرة { إِذَا بَلَغَتِ } قال جماعة من المحققين: يعني: النفس، وإن لم يَجْرِ لها ذكر؛ لأن الكلام الذي وقعت فيه يدل عليها، كما قال حاتم:
أمَا وِيَّ ما يُغني الثراءُ عن الفَتَى
إذا حَشْرَجَتْ يوماً وضَاقَ بها الصَّدْرُ
والتَّراقي: العظام المكتَنِفَة لثُغْرَة النحر، عن يمين وشمال، واحدها: تَرْقُوَة. قال بعض العلماء: ذكّرهم صعوبة الموت الذي هو أول مراحل الآخرة. قوله تعالى: { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } كان حفص يُظهر النون مِنْ " مَنْ " ويقف عليها وقفة يسيرة. [قال أبو العالية ومقاتل]: تقول الملائكة: من يرقى بروحه ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب. وقال عكرمة وقتادة والضحاك وابن زيد: المعنى: يقول أهله: من يرقيه برقية تشفيه. قال قتادة: التَمَسُوا له الأطباء فلم يُغنُوا عنه من قضاء الله شيئاً. والقولان عن ابن عباس. قوله تعالى: { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } أي: تيقّن الذي بلغت روحه التراقي أنه مُفارق للدنيا. قوله تعالى: { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } قال عطاء: شدة الموت بشدة الآخرة. وقال سعيد بن جبير: اجتمع فيه الحياة والموت. وقال الشعبي: التفّت ساقاه عند الموت. قال الحسن: ماتت رجلاه فلم تحملاه، وقد كان عليهما جوّالاً. وقال سعيد بن المسيب: هما ساقاه حين يُلفّان في أكفانه. وقيل: التفّت آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة. قوله تعالى: { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } أي: إلى الله الذي لا يخفى عليه خافية، يُساق العباد يوم القيامة، وهو الذي يتولى جزاءهم. قوله تعالى: { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } قال المفسرون: نزلت في أبي جهل بن هشام لعنه الله. ويجوز أن يراد: الإنسان، بدليل قوله أولاً:{ أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ } [القيامة: 3]، وثانياً: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } [القيامة: 36]. قال قتادة: فلا صدّق بكتاب الله، ولا صلى لله. وقيل: فلا صدّق بماله. وقد قيل: " لا " بمعنى " لم " ، أي: [لم] يُصدِّق ولم يُصلّ. { وَلَـٰكِن كَذَّبَ } بكتاب الله { وَتَوَلَّىٰ } عن الإيمان به. { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } أي: يتبخْتَر، وأصله: يتمطَّط، أي: يتمدَّد؛ لأن المتبختر يَمُدُّ خُطاه. وقال الفراء والزجاج: هو مأخوذٌ من المَطَا، وهو الظهر. قال الزمخشري: لأنه يلويه. ومنه الحديث: " إذا مَشَتْ أمتي المُطَيْطَاء وخدمتهم فارس والروم فقد جُعل بأسهم بينهم ". يعني: كذّبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وتولى عنه، ثم ذهب إلى أهله يتبختر افتخاراً بذلك. { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } يعني: ويل لك، وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره. قال الزجاج: العرب تقول: أولى لفلان؛ إذا دَعَتْ عليه بالمكروه. قوله تعالى: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } أي: [يُهمل] فلا يُؤمر ولا يُنهى ولا يُحاسب ولا يُعاقب، وأنشدوا: