الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

يقول الحق جلّ جلاله: واذكر { إِذ جعلَ الذين كفروا } من قريش أي: ألقوا { في قلوبهمُ الحميِّة } أي: الأنفَة والتكبُّر، أو: صيّروا الحميةَ راسخة في قلوبهم { حميةَ الجاهليةِ } بدل، أي: حَميّة الملة الجاهلية، أو الحميّة الناشئة من الجاهلية، ووضع الموصول موضع ضميرهم، إذ تقدّم ذكرهم، لذمِّهم بما في حيز الصلة، وتعليل الحكم به. والجعل بمعنى الإلقاء، فلا يتعدّى إلى مفعولين، أوك بمعنى التصيير، فالمفعول الثاني محذوف، كما تقدّم. و " الذين ": فاعل، على كل حال. { فأنزل اللّهُ سكينتَه على رسوله وعلى المؤمنين } أي: أنزل في قلوبهم الطمأنينة والوقار، فلم يتضعضعوا من الشروط التي شرطت قريش. رُوي: أن رسول الله لمَّا نزل الحديبية بعثت قريشٌ سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العُزَّى، ومِكْرَز بن حفص، على أن يعرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجع من عامه ذلك، على أن تخلي له قريش مكة من العام القابل ثلاثة أيام، ففعل ذلك، وكتب بينهم كتاباً، فقال صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه: " اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل وأصحابه ما نعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم، ثم قال: " اكتب: هذا ما صالح عليه رسولُ الله أهلَ مكة " فقالوا: لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمدٌ بن عبد الله أهلَ مكة، فقال صلى الله عليه وسلم: " اكتب ما يريدون، فأنا أشهد أنّي رسول، وأنا محمد بن عبد الله " فهمّ المسلمون أن يأبَوا ذلك، ويبطشوا بهم، فأنزل الله السكينة عليهم، فتوقّروا وحلُموا. وفي رواية البخاري: فكتب عليّ رضي الله عنه: " هذا ما قضى عليه محمد رسول الله " فلما أَبَوا ذلك، قال صلى الله عليه وسلم لعليّ: " امح رسول الله، واكتب: محمد بن عبد الله " ، فقال: والله لا أمحوك أبداً، فأخذ صلى الله عليه وسلم الصحيفة وكتب ما أرادوا. قيل: كتب بيده معجزةً، وقيل: أَمَرَ من كتب، وهو الأصح. { وإلزمهم كلمةَ التقوى } شهادة " لا إله إلا الله " وقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: محمد رسول الله، وقيل: الوفاء بالعهد، والثابت عليه. وإضافتها إلى التقوى لأنها سببها وأساسها، وقيل: كلمة أهل التقوى. { وكانوا أحقَّ بها } أي: متصفين بمزيد استحقاق بها، على أن صيغة التفضيل للزيادة مطلقاً، أو: أحق بها من غيرهم من سائر الأمم { و } كانوا أيضاً { أهلها } المتأهلون لها بتأهيل الله إياهم. قال القشيري: كلمة التقوى هي التوحيد عن قلبٍ صادق، وأن يكون مع الكلمة الاتقاءُ الشرْك، وكانوا أحق بها في سابق حكمه، وقديم علمه، وهذا إلزام إكرام ولطف، لا إلزام إكراهٍ وعنف، وإلزامُ بر، لا إلزام جبر.

السابقالتالي
2