الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ }

سبب النزول:

اختلف اهل التأويل في سبب نزول هذه الآية فروي عن ابن مسعود وابن عباس أن الله تعالى، لما ضرب هذين المثلين للمنافقين وهو قوله { كمثل الذي استوقد ناراً } وقوله { أو كصيب من السماء } قال المنافقون الله أجل من { أن يضرب مثلا } إلى آخر الآية، وقال الربيع بن أنس هذا مثل ضربه الله للدنيا، لأن البعوضة تحيا ما جاعت، فاذا سمنت ماتت فشبه الله تعالى هؤلاء بانهم اذا امتلؤوا أخذهم الله؛ كما قال تعالىفلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } إلى آخر الآية - إلى ان قال ـحتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } وقال قتادة معناه أن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها أي لا يستحيي من الحق أن يذكر منه شيئاً ما قل أو كثر. إن الله تعالى حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال اهل الضلالة ماذا اراد الله من ذكر هذا؟ فانزل الله تعالى { أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها: الآية } وكل هذه الوجوه حسنة. واحسنها قول ابن عباس، لأنه يليق بما تقدم. وبعده ما قال قتادة. وليس لأحد ان يقول: هذا المثل لا يليق بما تقدم. من حيث لم يتقدم للبعوضة ذكر. وقد جرى ذكر الذباب والعنكبوت في موضع آخر. في تشبيه آلهتهم بها وان يكون المراد بذلك اولى، وذلك ان قوله: { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها }. انما هو خبر منه تعالى انه لا يستحيي تعالى أن يضرب مثلا في الحق من الأمثال: صغيرها وكبيرها، لأن صغير الأشياء عنده وكبيرها بمنزلة واحدة من حيث لا يتسهل الصغير، ولا يصعب الكبير. وإن في الصغير من الاحكام والاتقان ما في الكبير. فلما تساوى الكل في قدرته، جاز أن يضرب المثل بما شاء من ذلك، فيقر بذلك المؤمنون، ويسلمون ـ وان ضل به الفاسقون بسوء اختيارهم ـ وهذا المعنى مروي عن مجاهد. وروي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) انه قال: إنما ضرب الله بالبعوضة، لأن البعوضة على صغر خلق فيها جميع ما في الفيل على كبره وزيادة عضوين آخرين. فاراد الله ان ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه وعجيب عظم صنعه.

المعنى:

و { يستحيي } لغة اهل الحجاز وعامة العرب بيائين. وبنو تميم يقولون: بياء واحدة اخصر. كما قالوا: الم يك، ولا ادر ومعنى { يستحيي }: قال بعضهم: إنه لا يخشى ان يضرب مثلا كما قال:وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه } معناه: تستحيى الناس والله احق ان تستحييه، فيكون الاستحياء بمعنى الخشية بمعنى الاستحياء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6