الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

{ يا بنى آدمَ قَدْ أنزلنا عَليكُم لِباساً } أى أنزلنا عليكم ما يكون لباساً بالتدريج وهو المطر، فجميع ما يلبس منه، أو خلقناكم لباسا، فعبر بالإنزال، لأن ما فى الأرض مكتوب فى السماء ومفصل فيه، ومنزل منه بقدر على أيدى الملائكة بالذات أو بالمآل، والصيرورة. { يُوارِى } يستر { سَوْآتكم } التى قصد الشيطان إبداءها، ويغنيكم عن خصف الورق، فإن ظهورها أول سوء أصاب الإنسان من الشيطان. وعن مجاهد نزلت هذه الآيات الأربع فيمن كان يطوف بالبيت عريانا من قريش وغيرهم. وعن قتادة والضحاك كانت العرب تطوف عراة إلا الحُمس وهم قريش، ومن تلاها وهو الصحيح وكان العربى يستعير منهم ثوبا أو يطوف عريانا أو فى ثيابه، ثم يلقيها، وتمادى ذلك حتى كان الطواف بالعراء قربة عند العرب، ويقولون لا نطوف فى ثياب المعصية، ونودى بمكة وعام تسع لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، وعظمت قريش البيت. وذكر النقاش أن عادة ثقيف، وخزاعة، وبنى عامر بن صعصعة، وبنى مدلج، وعامر، والحارث ابنى عبد مناة، رجالهم ونساءهم الطواف بالبيت عراة، وكان بعض العرب يطوفون بالبيت بالعراء ويقولون لا نطوف فى ثياب عصينا الله فيها. { وَرِيشاً } لباس زينة مستعار من ريش الطائر، لأنه لباسه وزينته، والعطف على لباسا عطف أحد المتغايرين على الآخر، على أن المراد باللباس المذكور خصوص اللباس الموارى الذى لا زينة زائدة على المواراة فيه، وذلك قول ابن زيد. وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدى الريش المال، وتريش الرجل تمول، وقيل سعة الرزق، وقال قوم الأثاث، والصحيح ما ذكرته أولا لاتصال الكلام بعد ذلك فى اللباس، وليست الزينة بملغاة شرعا، بل معتبرة كما قال الله سبحانه " لتركبوها وزينة... ولكم فيها جمال " وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله جميل يحب الجميل " وقرأ ابن عباس، وأبو عمرو، وعاصم، ومجاهد فى رواية عنهم، وأبو عبد الرحمن، وأبو رجاء، وزيد بن على، وعلى بن الحسين، وقتادة ورياشا وهى قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال عثمان بن عفان، والمعنى واحد، وقيل الرياش جمع ريش كبيرٍ وبيار، وذئب وذئاب، وشعب وشعاب، وقيل الريش والرياش مصدران، يقال راشه الله بمعنى أنعم عليه، وقرأ أبى وزينة بدل وريشا. { ولباسُ التَّقوى } بالنصب عطفا فى قراءة نافع وابن عامر والكسائى، فيكون قوله { ذَلك خيرٌ } مستأنفا وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة بالرفع فهو مبتدأ وذلك مبتدأ ثان، وخير خبره، والجملة خبر الأول، والرابط إعادة المبتدأ بمعناه، فإن الإشارة للباس التقوى، أجاز ابن هشام ذلك، وأجاز كون ذلك بدلا أو بيانا لا نعتا، لأن النعت عنده لا يكون أعرف من المنعوت، وأجازه الفارسى أيضا، فعلى البدلية والبيانية أو النعتية، فالخبر مفرد.

السابقالتالي
2