الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

وساعة تسمع كلمة " ملك " ، فلنا أن نعرف أن هناك كلمة هي " مُلك " بضم الميم، وكلمة أخرى هي " مِلك " بكسر الميم. إن كلمة " مِلك " تعني أن للإنسان ملكية بعض من الأشياء، كملكية إنسان لملابسه وكتبه وأشيائه، لكن الذي يملك مالك هذا الملك فهذا تسميه " مُلك " ، فإذا كانت هذه الملكية في الأمر الظاهر لنا، فإننا نسميه " عالم الملك " ، وهو العالم المُشاهد، وإذا كانت هذه الملكية في الأمر الخفي فإننا نسميه " عالم الملكوت ". إذن، فنحن هنا أمام " مِلك " ، و " مُلك " و " ملكوت ". ولذلك فعندما تجلى الحق سبحانه وتعالى على سيدنا إبراهيم خليل الرحمن وكشف له ما خفي عن العيون وما ظهر، قال سبحانه:وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } [الأنعام: 75]. أي أن الله سبحانه وتعالى أراد لسيدنا إبراهيم أن يشاهد الملكوت في السماوات والأرض، أي كل الأشياء الظاهرة والخافية المخفية عن عيون العباد. وهكذا نرى مراحل الحيازة كالآتي: ملك، أي أن يملك الإنسان شيئاً ما، وهذا نسميه مالكاً للأشياء فهو مالك لأشيائه، ومالك لمتاعه، أما الذي يملك الانسان الذي يملك الأشياء فإننا نسميه " مُلك " ، أي أنه يملك من يملك الأشياء، والظاهرة في الأولى نسميها " مِلْك " فكل إنسان له ملكية بعض الأشياء، وبعد ذلك تنحاز الى الأقل أي أن تنسب ملكية أصحاب الأملاك إلى ملك واحد. فالملكية بالنسبة للإنسان تتلخص في أن يملك الإنسان شيئاً فيصير مالكاً، وإنسان آخر يوليه الله على جماعة من البشر فيصير مَلِكاً، هذا في المجال البشري. أما في المجال الإلهي، فإننا نُصعد لنرى من يملك كل مالك وملك، إنه الله سبحانه وتعالى. ولا يظن أحد أن هناك إنساناً قد يملك شيئاً أو جاهاً في هذه الدنيا بغير مراد الله فيه فكل إنسان يملك بما يريده الله له من رسالة فإذا انحرف العباد فلا بد أن يولى الله عليهم ملكاً ظالماً، لماذا؟ لأن الأخيار قد لا يحسنون تربية الناس.وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الأنعام: 129]. وكأن الحق سبحانه يقول: يأيها الخيِّر - بتشديد الياء - ضع قدماً على قدم ولا تلوث يدك بأن تنتقم من الظالم، فسوف أضع ولاية ظالم أكبر على هذا الظالم الصغير، إنني أربأ بك أن تفعل ذلك، وسأنتقم لك، وأنت أيها الخيِّر منزه عندي عن ارتكاب المظالم ولذلك نجد قول الحق:وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [الأنعام: 129]. ونحن جميعاً نعرف القول الشائع: " الله يسلط الظالمين على الظالمين ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7