الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }؛ تقديرُ الآية: ألَمْ ترَ إذ قالَ إبراهيمُ؛ ويقال: وَاذْكُرْ إذ قالَ إبراهيمُ. قال ابنُ عباس: ((سَبَبُ هَذِهِ الْقِصَّةِ: أنَّ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام مَرَّ بجِيْفَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، تَنْقَضُّ عَلَيْهَا طُيُورُ السَّمَاءِ فَتَأْخُذُ مِنْهَا بأَفْوَاهِهَا فَتأْكُلُهُ، وَيَسْقُطُ مِنْ أفْوَاهِهَا فِي الْبَحْرِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ الْحِيْتَانُ، وَتَجِيْءُ السِّبَاعُ فَتَأْخُذُ مِنْهُ عُضْواً. فَوَقَفَ مُتَعَجِّباً!! وَقَالَ: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } أيْ أوَلَمْ تُصَدِّقْ بأَنِّي أُحيْي الْمَوْتَى؟ { قَالَ بَلَىٰ } عَرَفْتُ، وَلَكِنْ أحْبَبْتُ أنْ أعْلَمَ كَيْفَ تُحْيي هَذِهِ النَّفْسَ الَّتِي أرَى بَعْضَهَا فِي بُطُونِ السِّبَاعِ؛ وبَعْضَهَا فِي بُطُونِ الْحِيْتَانِ؛ وَبَعْضَهَا فِي حَوَاصِلِ الطَّيْرِ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } ). وَقيل: معنى { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أي لِيَسْكُنَ قلبي أنكَ أعطيتني ما سألتُكَ. وقيل: إنك اتَّخَذْتَنِي خليلاً.

{ قَالَ }؛ اللهُ تعالى: { فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً }؛ وذلك أنَّ إبراهيم عليه السلام لما مرَّ بالجيفةِ وقد توزَّعَتها الطيورُ والسباع والحيتانُ، تعجَّبَ وقال: يا رب قد علمتُ بأنكَ تجمعُها من بطونِ السباع وحواصلِ الطير وبطونِ الحيتان، فأرنِي كيفَ تُحْييْهَا لأُعَاينَ ذلك فأزدادُ يقيناً؟ قال اللهُ تعالى لهُ: { أوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى } يا رب آمنتُ وليس الخبرُ كالمعاينةِ والمشاهدة.

وقال ابنُ زيد: (مَرَّ إبْرََاهِيْمُ عليه السلام بحُوتٍ مَيْتٍ نِصْفُهُ فِي الْبَحْرِ وَنِصْفُهُ فِي الْبَرِّ، فَمَا كَانَ فِي الْبَحْرِ فَدَوَابُّ الْبَحْرِ تَأْكُلُهُ، وَمَا كَانَ فِي الْبَرِّ فَدَوَابُّ الْبَرِّ تَأْكُلُهُ، فَقَالَ إبْلِيْسُ لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِ: يَا إبْرَاهِيْمُ، مَتَى يَجْمَعُ اللهُ هَذَا مِنْ بُطُونِ هَؤُلاَءِ؟! فَقَالَ: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ * قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } بذَهَاب وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَيَصِيْرُ الشَّيْطَانُ خَاسِئاً صَاغِراً).

وروي أنَّ نَمرودَ قال لإبراهيم: أنتَ تزعمُ أن ربكَ يحيي الموتى وتدعونِي إلى عبادتهِ، فقُل له يُحيي الموتَى إنْ كَان قادراً، وإلاَّ أقتلُكَ. فقالَ إبراهيمُ: { رَب أرنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى * قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ } بأني أُحييهم، فـ { قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } بقوةِ حُجَّتي ونَجاتي من القتلِ، فإنَّ عدوَّ اللهِ توعدَّني بالقتلِ إن لَمْ تُحيي لهُ ميتاً.

وقال ابنُ عباس وابن جبيرٍ والسديُّ: (لَمَّا اتَّخَذَ اللهُ إبْرَاهِيْمَ خَلِيْلاً، سَأَلَ مَلَكُ الْمَوْتِ رَبَّهُ أنْ يَأْذَنَ لَهُ فَيُبَشِّرَ إبْرَاهِيْمَ بذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ، فَأَتَى إلَى إبْرَاهِيْمَ وَقَالَ: يَا إبْرَاهِيْمُ، جِئْتُ أُبَشِّرُكَ بَأَنَّ اللهَ اتَّخَذَكَ خَلِيْلاً، فَحَمَدَ اللهَ تَعَالَى؛ وَقَالَ: مَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أنْ يُجِيْبَ اللهُ دُعَاءَكَ وَيُحْيي الْمَوْتَى بسُؤَالِكَ. ثُمَّ انْطَلَقَ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ إبْرَاهِيْمُ: { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ * قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } أيْ لِيُعْلَمَ أنَّكَ تُجِيْبُنِي إذَا دَعَوْتُكَ.

السابقالتالي
2 3