الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ }: " مَثَلُ " مبتدأٌ، و " كمثلِ حبةٍ " خبرُه. ولا بُدَّ من حذفٍ حتى يَصِحَّ التشبيهُ، لأنَّ الذين ينفقون لا يُشَبَّهون بنفسِ الحبةِ. واختُلِفَ في المحذوفِ، فقيل: من الأول تقديرُه: وَمَثلُ مُنْفَقِ الذين أو نفقةِ الذين. وقيل: من الثاني تقديرُه: ومثل الذي ينفقون كزارعِ حبةٍ؛ أو مِنَ الأولِ والثاني باختلافِ التقدير، أي: مَثَلُ الذين ينفقون ونفقتُهم كمثلِ حبةٍ وزارِعِها. وهذه الأوجهُ قد تقدَّم تقريرُها محررةً عند قولِه تعالى:وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ } [البقرة: 171] بأتمِّ بيانٍ فليُراجَعْ. والقولُ بزيادةِ الكافِ أو " مثل " بعيدٌ جداً، فلا يُلْتفت إلى قائله.

والحَبَّةُ: واحدةُ الحَبُّ، وهو ما يُزْرَعُ للاقتياتِ، وأكثرُ إطلاقِه على البُرّ قال المتلمس:
1064 ـ آليتُ حَبَّ العراقِ الدهرَ أَطْعَمُه   والحَبُّ يأكلُه في القَرْيَةِ السُّوسُ
و " الحِبَّة " بالكسر: بذورُ البَقْلِ مِمَّا لا يُقْتات [به]، و " الحُبَّة " بالضم الحُبُّ.

قوله: { أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } هذه الجملةُ في محلِّ جرٍ لأنها صفةٌ لحبة، كأنه قيل: كمثل حبةٍ منبتةٍ.

وأَدْغم تاءَ التأنيثِ في سين " سبع " أبو عمرو وحمزة والكسائي وهشام. وأَظْهر الباقون، والتاءُ تقاربُ السينَ ولذلك أُبْدِلَتْ منها، قالوا: ناس ونات، وأكياس وأكيات، قال:
1065 ـ عمروَ بنَ يربوعٍ شرارَ الناتِ   ليسوا بأجيادٍ ولا أَكْياتِ
أي: شرار الناس ولا أكياس.

وجاء التمييزُ هنا على مِثال مَفاعِل، وفي سورة يوسف مجموعاً بالألفِ والتاء، فقال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: هلاَّ قيل " سبع سنبلات " على حَقِّه من التمييزِ بجمعِ القلة كما قال: { وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ }. قلت: هذا لِما قَدَّمْتُ عند قولِه: " ثلاثَةُ قروء " من وقوعِ أمثلةِ الجمعِ متعاورةً مواقعها " يعني أنه من بابِ الاتساعِ ووقوعِ أحدِ الجمعين موقعَ الآخرِ، وهذا الذي قاله ليس بمخلِّص ولا مُحَصِّلٍ، فلا بُدَّ من ذكرِ قاعدة مفيدةٍ في ذلك:

اعلم أنَّ جمعي السلامةِ لا يميز بهما عدد إلا في موضعين، أحدهما: ألا يكونَ لذلك المفردِ جمعٌ سواه، نحو: سبع سماوات، وسبع بقرات، وتسع آيات، وخمس صلوت، لأنَّ هذه الأشياءَ لم تُجْمَعْ إِلا جمعَ السلامةِ، فأمَّا قولُه:
1066 ـ...................   ... فوقَ سَبْعِ سَمائيا
فشاذٌّ منصوصٌ على قلتِهِ، فلا التفاتَ إليه. والثاني: أن يُعْدَلَ إليه لأجلِ مجاورة غيرهِ كقولِهِ: { وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خَضْرٍ } عَدَل من " سنابل " إلى " سنبلات " لأجلِ مجاورتِهِ " سبعِ بقرات " ، ولذلك إذا لم توجَدْ المجاورةُ مُيِّز بجمعِ التكسيرِ دونَ جمع السلامةِ، وإنْ كان موجوداً نحو: " سبع طرائق وسبع ليالٍ " مع جواز: طريقات وليلات. والحاصلُ أنَّ الاسمَ إذا كان له جمعان: جمعُ تصحيحٍ وجمعُ تكسيرٍ، فالتكسيرُ إمَّا للقلةِ أو للكثرةِ، فإنْ كان للكثرةِ: فإمَّا من بابِ مَفَاعِل أو من غيره، فإنْ كان من بابِ مفاعل أُوثر على التصحيحِ، تقول: ثلاثة أحامد: وثلاث زيانب، ويجوز قليلاً: أحمدِين وزينبات.

السابقالتالي
2