الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

الحمد لله الذى امر المؤمنين بالانفاق. ليزكى به نفوسهم عن سفساف الاخلاق. وهدى العارفين الى بذلك المال والروح. ليفتح لهم ابواب الفتوح. والصلاة على المتخلق باخلاق مولاه. سيدنا محمد الذى جاء بالشفاعة لمن يهواه. وعلى آله واصحابه ممن اثر الله على ما سواه. ووثق فى اجر الانفاق بربه الذى اعطاه. وبعد فان العبد العليل سمى الذبيح اسماعيل. الناصح البروسى ثم الاسكوبى. اوصله الله الى غاية المقام الحى. يقول لما ابتليت بالنصح والعظه. أهتممت فى باب الموعظه. فكنت التقط من التفاسير. وانظم فى سلك التحرير. ما به ينحل عقد الآيات القرآنيه. والبينات الفرقانيه. من غير تعرض لوجوه المعانى مما يحتمله المبانى قصدا الى التكلم بقدر عقول الناس وتصديا للاختصا الحامل على الاستئناس واضم الى كل آية ما يناسبها من الترغيب والترهيب وبعض من التأويل الذى لا يخفى على كل لبيب حتى انتهيت من سورة البقرة الى ما ها هنا من آيات الانفاق بعون الله الملك الخلاق فجعلت اول هذه الآية معنونا ليكون هذا النظم مع ما يضم اليه مدونا مقطوعا عما قبله من الآيات مجموعا بلطائف العظات ومن الله استمد ان يمهلنى الى ان آخذ بهذا المنوال القرآن العظيم واقضى هذا الوطر الجسيم واتضرع ان يجعله منتفعا به وذخر اليوم والمعاد ونعم المسؤل والمراد. { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم } اى من حلال ما كسبتم او جياده لقوله تعالىلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } آل عمران 92وفسر صاحب الكشاف الطيبات بالجياد حيث قال من طيبات ما كسبتم من جياد مكسوباتكم. ذكر بعض الافاضل انه انما فسر الطيب بالجيد دون الحلال لان الحل استفيد من الامر فان الانفاق من الحرام لا يؤمر به ولان قوله تعالى بعده { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } والخبيث هو الرديئ المستخبث يدل على ان المعنى انفقوا مما يستطاب من اكسابكم { ومما } اى ومن طيبات ما { أخرجنا لكم من الأرض } من الحبوب والثمار والمعادن { ولا تيمموا } اى لا تقصدوا { الخبيث } اى الرديئ الخسيس. والخبيث نقيض الطيب ولهما جميعا ثلاث معان الطيب الحلال والخبيث الحرام والطيب الطاهر والخبيث النجس والطيب ما يستطيبه الطبع والخبيث ما يستخبثه { منه تنفقون } الجار متعلق بتنفقون والضمير للخبيث والتقديم للتخصيص والجملة حال من فاعل تيمموا اى لا تقصدوا الخبيث قاصرين الانفاق عليه والتخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطونه من انفاق الخبيث خاصة لا تسويغ انفاقه مع الطيب عن ابن عباس رضى الله عنهما انهم كانوا يتصدقون بحشف التمر وشراره فنهوا عنه { ولستم بآخذيه } حال من واو تنفقون اى تنفقون والحال انكم لا تأخذون الخبيث فى معاملاتكم فى وقت من الاوقات او بوجه من الوجوه { إلا أن تغمضوا فيه } اى الا وقت اغماضكم فيه او الا باغماضكم يعنى لو كان لكم على رجل حق فجاء برديئ ماله بدل حقكم الطيب لا تأخذونه الا فى حال الاغماض والتساهل مخافة فوت حقكم او لاحتياجكم اليه من قولك اغمض فلان عن بعض حقه اذا غض بصره ويقال للبائع اغمض اى لا تستقص كأنك لا تبصر { واعلموا أن الله غنى } عن انفاقكم وانما يأمركم به لمنفعتكم.

السابقالتالي
2 3