الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }

القراءة: قرأ ابن كثير غير القواس ولا تيمّموا بتشديد التاء فيها وفي أخواتها وهي واحد وثلاثون موضعاً من القرآن والباقون تيمموا بالتخفيف. الحجة: كلاهما بمعنى واحد كأن ابن كثير ردّ الحرف الساقط في القراءة الأخرى وأدغم لأنه كان في الأصل تاءان تاء المخاطب وتاء الفعل فحذفت تاء الخطاب في القراءة العامة لئلا يتكرر حرفان مثلان وتخف الكلمة. اللغة: التيمم التعمد قال خفاف:
فعمداً على عيني تيممت مالكا   
وقال الأعشى:
تَيَمَّمْــتُ قَيْساً وَكَمْ دُوْنَهُ   مِنَ الأَرْضِ مِنْ مَهْمهٍ ذِي شَزَنْ
يقال أممت الشيء خفيفة ويَمَمَتْه وأممته ويممته وتيممته بمعنى أي قصدته، ومنه الإمام لأنه المقصود المعتمد، والإمام أيضاً خيط البناء لأنه يمده ويعتمد بالبناء عليه، واليم لجة البحر لأنه يعتمد به البعيد من الأرض، واليمام الحمام لأنها تتعمّد إلى أوكارها بحسن هدايتها والخبيث الرديء من كل شيء وخبث الفضة والحديد ما نفاه الكير لأنه ينفي الردّي وأصلـه الرداءة والإغماض في البيع الحطَ من الثمن لعيب فيه وذلك لإخفاء بعض الثمن بالحط لـه والغموض الخفاء غمض يغمض فهو غامض والتغميض للعين إطباق الجفن والغمض النوم والغمض المطمئن من الأرض وأصل الباب الخفاء والإغماض غمض البصر وإطباق جفن على جفن قال رؤبة:
أَرّقَ عَيْنَيَّ عَنِ الإغْمـــاضِ   بَرْقٌ سرى في عارِضِ نَهَّاضِ
ثم صار عبارة عن التسامح والتساهل في البيع. الإعراب: قال الفراء الأصل في أن تغمضوا أن مكسورة الـهمزة لأن الكلام في معنى الجزاء وهو إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه ومثلهإلا أن يخافا إلا أن يقيما حدود الله } [البقرة: 229] وأنكر ذلك المحققون قالوا أن هذه التي بمعنى المصدر نحو أن تَأتيني خير لك والمعنى ولستم بآخذيه إلا لإغماضكم فيه. النزول: روي عن أبي عبد الله ع أنها نزلت في أقوام لـهم أموال من ربا الجاهلية وكانوا يتصدقون منها فنهاهم الله عن ذلك وأمر بالصدقة من الطيب الحلال وقيل إنها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشَفَ فيدخلونه في تمر الصدقة عن علي ع والبراء بن عازب والحسن وقتادة. المعنى: لما تقدم ذكر الإنفاق وبيان صفة المنفق وأنه يجب أن ينوي بالصدقة التقرب وأن يحفظها مما يبطلـها من المنّ والأذى بيّن تعالى صفة الصدقة والمتصدق عليه ليكون البيان جامعاً فقال: { يا أيها الذين آمنوا } خاطب المؤمنين: { أنفقوا } أي تصدقوا: { من طيبات ما كسبتم } أي من حلال ما كسبتم بالتجارة عن ابن مسعود ومجاهد وقيل من خياره وجياده ونظيره قولـه:لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } [آل عمران: 62] وروي عن عبيد بن رفاعة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا معشر التجار أنتم فجار إلا من اتقى وبرّ وصدق وقال بالمال هكذا وهكذا "

السابقالتالي
2