الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

يقول تعالـى ذكره: فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم، وهم الـملأ الذين كفروا بـالله وجحدوا نبوّة نبـيهم نوح علـيه السلام: { ما نَرَاكَ } يا نوح { إلاَّ بَشَرا مِثْلَنا } يعنون بذلك أنه آدميّ مثلُهم فـي الـخـلق والصورة والـجنس، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولاً إلـى خـلقه. وقوله: { وَما نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بـادِيَ الرأيِ } يقول: وما نراك اتبعك إلا الذين هم سَفِلتنا من الناس دون الكبراء والأشراف فـيـما يُرَى ويظهر لنا. وقوله: { بـادِيَ الرأيِ } اختلفت القرّاء فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق: { بـادِيَ الرأيِ } بغير همز «البـادي» وبهمز «الرأي»، بـمعنى: ظاهر الرأي، من قولهم: بدا الشيء يبدو: إذا ظهر، كما قال الراجز
أضْحَى لـخالـي شَبَهِي بـادِيَ بَدِيْ   وصَارَ للفَحْلِ لِسانِـي وَيَدِي
«   
بـادي بدي» بغير همز. وقال آخر:
وَقَدْ عَلَتْنِـي ذُرْأةٌ بـادِي بَدِي   
وقرأ ذلك بعض أهل البصرة: «بـادِىءَ الرأيِ» مهموز أيضا، بـمعنى: مبتدأ الرأي، من قولهم: بدأت بهذا الأمر: إذا ابتدأت به قبل غيره. وأولـى القراءتـينِ بـالصواب فـي ذلك عندنا قراءة من قرأ: { بـادِيَ } بغير همز «البـادي»، وبهمز «الرأي»، لأن معنى ذلك الكلام: إلا الذين هم أراذلنا فـي ظاهر الرأي وفـيـما يظهر لنا. وقوله: { وَما نَرَى لَكُمْ عَلَـيْنا مِنْ فَضْلٍ } يقول: وما نتبـين لكم علـينا من فضل نلتـموه بـمخالفتكم إيانا فـي عبـادة الأوثان إلـى عبـادة الله وإخلاص العبودة له، فنتبعكم طلب ذلك الفضل وابتغاء ما أصبتـموه بخلافكم إيانا { بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِـينَ } وهذا خطاب منهم لنوح علـيه السلام، وذلك أنهم إنـما كذّبوا نوحاً دون أتبـاعه، لأن أتبـاعه لـم يكونوا رسلاً. وأخرج الـخطاب وهو واحد مخرج خطاب الـجميع، كما قـيـل:يا أيُّها النَّبِـيُّ إذا طَلَّقْتُـمُ النِّساءَ } وتأويـل الكلام: بل نظنك يا نوح فـي دعواك أن الله ابتعثك إلـينا رسولاً كاذبـاً. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله { بـادِيَ الرأي } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجا، عن ابن جريج، عن عطاء الـخُراسانـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { وَما نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إلاَّ الَّذِينَ هُمْ أرَاذِلُنا بـادِيَ الرأيِ } قال: فـيـما ظهر لنا.