الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ }

فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } قرأ جمهور الناس «وأذِّن» بتشديد الذال. وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن مُحَيْصِن «وآذن» بتخفيف الذال ومدّ الألف. ابن عطية: وتصحّف هذا عَلَى ابنِ جِنّي، فإنه حكى عنهما «وأذن» على أنه فعل ماض، وأعرب عَلَى ذلك بأن جعله عطفاً على «بوّأنا». والأذان الإعلام، وقد تقدّم في «براءة». الثانية: لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت، وقيل له: أذّن في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذّن وعليّ الإبلاغ فصعِد إبراهيم خليل الله جبل أبي قُبيس وصاح: يا أيها الناس! إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ليثِيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار، فحُجّوا فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لَبَّيْكَ اللَّهُمّ لَبَّيْك! فمن أجاب يومئذٍ حج على قدر الإجابة، إن أجاب مرّةً فمرّة، وإن أجاب مرتين فمرّتين وجرت التلبية على ذلك قاله ابن عباس وابن جبير. وروي عن أبي الطُّفيل قال: قال لي ابن عباس: أتدري ما كان أصل التلبية؟ قلت: لا! قال: لما أمِر إبراهيم عليه السلام أن يؤذّن في الناس بالحج خفضت الجبال رؤوسها ورُفعت له القرى فنادى في الناس بالحج فأجابه كل شيء: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْك. وقيل: إن الخطاب لإبراهيم عليه السلام تمّ عند قوله «السجود»، ثم خاطب الله عز وجل محمداً عليه الصلاة والسلام فقال: «وأذّن في الناس بالحج» أي أعلمهم أن عليهم الحج. وقول ثالث: إن الخطاب من قوله «أن لا تشرك» مخاطبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وهذا قول أهل النظر لأن القرآن أنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكل ما فيه من المخاطبة فهي له إلا أن يدل دليل قاطع على غير ذلك. وهاهنا دليل آخر يدل على أن المخاطبة للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو «أن لا تشرك بي» بالتاء، وهذا مخاطبة لمشاهد، وإبراهيم عليه السلام غائب فالمعنى على هذا: وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت فجعلنا لك الدلائل على توحيد الله تعالى وعلى أن إبراهيم كان يعبد الله وحده. وقرأ جمهور الناس «بالحج» بفتح الحاء. وقرأ ابن أبي إسحاق في كل القرآن بكسرها. وقيل: إن نداء إبراهيم من جملة ما أمِر به من شرائع الدين. والله أعلم. الثالثة: قوله تعالى: { يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } وعده إجابة الناس إلى حج البيت ما بين راجل وراكب، وإنما قال: «يأتوك» وإن كانوا يأتون الكعبة لأن المنادَى إبراهيم، فمن أتى الكعبة حاجاً فكأنما أتى إبراهيم لأنه أجاب نداءه، وفيه تشريف إبراهيم. ابن عطية: «رجالاً» جمع راجل مثل تاجر وتجار، وصاحب وصحاب.

السابقالتالي
2 3