الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

وهو جواب لكلام مقدر، كأن الكافر حينما يلقى في النار يقول: ربنا أطغاني شيطاني، فيقول الشيطان: ربنا ما أطغيته، يدل عليه قوله تعالى بعد هذاقَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } [قۤ: 28] لأن الاختصام يستدعي كلاماً من الجانبين وحينئذ هذا، كما قال الله تعالى في هذه السورة وفي صقَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ } [صۤ: 60] وقوله تعالى:قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ } إلى أن قال:إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [صۤ: 61، 64] وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال الزمخشري: المراد بالقرين في الآية المتقدمة هو الشيطان لا الملك الذي هو شهيد وقعيد، واستدل عليه بهذا. وقال غيره، المراد الملك لا الشيطان، وهذا يصلح دليلاً لمن قال ذلك، وبيانه هو أنه في الأول لو كان المراد الشيطان، فيكون قولههَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } [قۤ: 23] معناه هذا الشخص عندي عتيد متعد للنار اعتدته بإغوائي، فإن الزمخشري صرّح في تفسير تلك بهذه، وعلى هذا فيكون قوله { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } مناقضاً لقوله اعتدته وللزمخشري أن يقول الجواب: عنه من وجهين أحدهما: أن يقول إن الشيطان يقول اعتدته بمعنى زينت له الأمر وما ألجأته فيصح القولان من الشيطان وثانيهما: أن تكون الإشارة إلى حالين: ففي الحالة الأولى إنما فعلت به ذلك إظهاراً للانتقام من بني آدم، وتصحيحاً لما قال:فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [صۤ: 82] ثم إذا رأى العذاب وأنه معه مشترك وله على الإغواء عذاب، كما قال تعالى:فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ * لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ } [ص: 84، 85] فيقول { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } فيرجع عن مقالته عند ظهور العذاب. المسألة الثانية: قال ههنا { قَالَ قرِينُهُ } من غير واو، وقال في الآية الأولىوَقَالَ قَرِينُهُ } [قۤ: 23] بالواو العاطفة، وذلك لأن في الأول الإشارة وقعت إلى معنيين مجتمعين، وأن كل نفس في ذلك الوقت تجيء ومعها سائق، ويقول الشهيد ذلك القول، وفي الثاني لم يوجد هناك معنيان مجتمعان حتى يذكر بالواو، والفاء في قولهفَأَلْقِيَـٰهُ فِى ٱلْعَذَابِ } [قۤ: 26] لا يناسب قوله تعالى: { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } مناسبة مقتضية للعطف بالواو. المسألة الثالثة: القائل ههنا واحد، وقال { رَبَّنَا } ولم يقل رب، وفي كثير من المواضع مع كون القائل واحداً، قال رب، كما في قولهقَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143] وقول نوحرَبّ ٱغْفِرْ لِى } [نوح: 28] وقوله تعالى:قَالَ رَبّ ٱلسّجْنُ أَحَبُّ إِلَىَّ } [يوسف: 33] وقولهقَالَتْ رَبّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتاً فِى ٱلْجَنَّةِ } [التحريم: 11] إلى غير ذلك، وقوله تعالى:قَالَ رَبّ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ص: 79] نقول في جميع تلك المواضع القائل طالب، ولا يحسن أن يقول الطالب: يا رب عمرني واخصصني وأعطني كذا، وإنما يقول: أعطنا لأن كونه رباً لا يناسب تخصيص الطالب، وأما هذا الموضع فموضع الهيبة والعظمة وعرض الحال دون الطلب فقال: { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ }.

السابقالتالي
2