الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

اعلم أنَّ المَقْصُود من ذكر قَصَص الأنْبِيَاءِ - عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ - حصولُ العِبْرَةِ لمن يَسْمَعُهَا، فالله - تعالى - لما ذَكَرَ قصَّة آدم، وبيَّن فيها شدَّة عداوة الشَّيْطان { كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ } ، وذلك لأن الشَّيْطَانَ لما بلغ بكيده، ولُطْفِ وسْوَسَتِهِ إلى أن قدر على إلقاء آدم في الزّلة الموجبة لإخراجه من الجنَّة فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حقِّ بني آدم أولى.

فقوله: " لا يَفْتِنَنَّكُم " هو نهي للشَّيْطَان في الصُّورةِ، والمرادُ نَهْيُ المخاطبين عن متابعته والإصغاء إليه، والمعنى: لا يصرفنكم الشيطان عن الدِّين كما فَتَنَ أبَوَيْكُم في الإخْرَاجِ من الجنَّةِ، وقد تقدَّم معنى ذلك في قوله:فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ } [الأعراف: 2].

وقرأ ابن وثَّابٍ وإبْرَاهِيمُ: " لا يُفْتِنَنَّكُمْ " [بضمّ] حرف المضارعة من أفْتَنَهُ بمعنى حَمَلَهُ على الفِتْنَةِ.

وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: " لا يَفْتِنْكُم " بغير نون توكيدٍ.

قوله: " كَمَا أخْرَجَ ": نعت لمصدر محذوف أي: لا يَفْتننكم فتنةً مثل فتنة إخْرَاجِ أبَويكُم. ويجوزُ أن يكُون التَّقْدِيرُ: لا يُخْرِجَنَّكم بفتنته إخراجاً مثل إخْرَاجِ أبويكم.

و " أبَويْكُم " واحدهُ أبٌ للمذكَّر، وأبة للمُؤنَّثِ، فعلى هذا قيل " أبَوَانِ ".

فصل في دحض شبهة من نسب المعاصي إلى الله

قال الكَعْبِيُّ: هذه حجَّةٌ على من نسب المَعَاصِي إلى اللَّهِ تعالى؛ لأنه تعالى نسبَ خروج آدم وحوَّاء، وسائر وجوه المعَاصِي إلى الشَّيْطَان، وذلك يَدُلُّ على أنَّهُ تعالى [بريءٌ عنها، فيقال له: لِمَ قُلْتُم أنَّ كون هذا العمل منسوباً إلى الشَّيْطَانِ يمنع من كونه منسوباً إلى الله تعالى؟] ولِمَ لا يجوزُ أن يقال إنَّهُ تعالى لمَّا خلق القُدْرَةَ والداعية الموجبتين لذلك العمل كان منسوباً إلى الله؟ ولما أجرى عادته بأنه يخلق تلك الدَّاعية بعد تزيين الشيطان وتحْسينِهِ تلك الأعمال، عند ذلك الكَافِرِ، كان منسوباً إلى الشَّيْطَانِ؟

فصل في إخراج آدم من الجنة عقوبة له

ظاهرُ الآيةِ يَدُلُّ على أنَّهُ تعالى إنَّمَا أخرج آدَمَ وحَوَّاءَ من الجنة، عُقُوبَة لهما على تلك الزَّلَةِ، وظاهرُ قوله تعالى:إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30] يَدُلُّ على أنَّهُ تعالى خلقهما لخلافةِ الأرضِ، فأنْزَلَهُمَا من الجَنَّةِ إلى الأرْضِ لهذا المقصود، فكيف الجمع بين الوَجْهَيْنِ؟

وجوابُهُ: ربما قيل حصل بمجموع الأمْرَيْن، وأنَّهُ خلقه ليجعله خليفة في الأرض، وجعل سبب نزوله إلى الأرْضِ وإخراجه من الجَنَّةِ هي الزلة.

قوله: " يَنْزِعُ " جملة في محل نَصْبٍ على الحالِ، وفي صاحبها احتمالان:

أحدهما: أنَّه الضَّميرُ في " أخْرَجَ " العائدُ على الشَّيْطَانِ، وأضاف نزع اللِّبَاسِ إلى الشَّيْطَانِ، وإن لم يباشر ذلك؛ لأنَّهُ كان بسبب منه، فأُسند إليه كما تقول: " أنْتَ فعلت هذا " لمن حصل ذلك الفعل بسبب منه.

السابقالتالي
2 3 4 5