الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

{ الَّذِين يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } الذين نعت الفاسقين نعت ذم. ذمهم وشنع عليه بترك العهد الذى استوثق الله - عز وجل - عليهم به، وهو العهد المأخوذ بالعقل، وهو ما ركز فى عقولهم من الحجة على التوحيد، لما خلق الله فى عقولهم ما يدركون به التوحيد، لو استعملوا عقولهم صار بمنزلة ما أدركوه، واستوثق الله عليهم ألا يتركوه، وأعنى بالتوحيد التوحيد الكامل، وهو التصديق بالله ورسوله وما جاء به من القرآن والوحى، وقد فسر بعضهم قوله تعالىوأشهدهم على أنفسهم } بركز الحجة على الحجة على التوحيد فى عقولهم، أو المراد بالعهد ما عهد إليهم فى التوارة والإنجيل، ومن إيجاب التصديق بالرسل للمعجزات المقرونين بها، وعدم كتمانهم. ففى التوراة وأوفوا بعهدى أوف بعهدكم. وفى الإنجيل سأنزل كتاباً فيه أبناء بنى إسرائيل وما أريته إياهم من الآيات، وما أنعمت عليهم، وما نقضوا من ميثاقهم الذى أوثقوا به، وما ضيعوا من عهده إليهم، وحسن صنعى بالذين قاموا بميثاق الله، وأوفوا بهداى ونصرى إياهم، وكيف أنزل بأسى ونقمتى بالذين غدروا ونقضوا. وحرف اليهود اسم النبى محمد صلى الله عليه وسلم، كما فعلوا باسم عيسى عليه السلام، فذلك الذى ألزمهم الإيمان هو العهد إذا نعموا بقلوبهم وألسنتهم. بل اتضاح الحجة كانها عهد أقروا به إذ لم تبق شبهة تمنعهم من التصديق، أو المراد عهد الله إليهم ألا يتظالموا ولا يتقاطعوا... وقيل العهود ثلاثة عهد على ذرية آدم جميعاً. قال الله تعالىوإذا أخذ ربك.. } إلخ وعهد خص به النبيين أن يقيموا الرسال والدين ولا يتفرقوا فيه، قال الله تعالىوإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم } وعهد خص به العلماء قال الله تعالىوإذ أخذنا من النبيين } وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتو الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } وقد فسر بعضهم العهد فى الآية بقوله تعالىألست بربكم قالوا بلى } وفسره بعض بالعهد الذى ألزم الله اليهود فى التوراة أن يؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ويبينوا نعته وصفته. وبعض بإبطال الكفار والمنافقين ما أبرم الله تعالى فى القرآن من الأحكام الشرعية. والعهد التقدم فى الشىء والوصاية به، والآية فى الكفار. قال عياض كل عهد جائز بين المسلمين، فنقضه لا يحل بهذه الآية. واعلم أن الله - عز وجل - شبه ترك العهد بنقض الحبل، وهو فك طاقاته، تشبيهاً غير مصرح بأداته، وإنما علمناه من إضافة العهد إلى الله، فاشتق من النقض المستعار من نقض طاقات الحبل، لترك العهد ينقض، بمعنى يترك. فالاستعارة فى ينقضون تبعية تصريحية تحقيقة والعهد قرينة، وإن شئت فقل شبه العهد بالحبل تشبيهاً غير مصرح به ولا بأداته، وإنما نعلمه بإثباته للعهد ما هو حقيق بالحبل ومناسب له، وهو النقض.

السابقالتالي
2 3