الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي الأشراف منهم ـ وهو كما قال غير واحد ـ من قولهم: فلان مليء بكذا إذا كان قادراً عليه لأنهم ملئوا بكفاية الأمور وتدبيرها، أو لأنهم متمالئون أن متظاهرون متعاونون، أو لأنهم يملأون القلوب جلالا والعيون جمالاً والأكف نوالاً، أو لأنهم مملؤون بالآراء الصائبة والأحلام الراجحة على أنه من الملأ لازماً، ومتعدياً / ووصفهم بالكفر لذمهم والتسجيل عليهم بذلك من أول الأمر لا لأن بعض أشرافهم ليسوا بكفرة.

{ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا } أرادوا ما أنت إلا بشر مثلنا ليس فيك مزية تخصك من بيننا بالنبوة ولو كان ذلك لرأيناه لا أن ذلك محتمل لكن لا نراه، وكذا الحال في { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْي } فالفعلان من رؤية العين و { بشراً } و { ٱتَّبَعَكَ } حالان من المفعول بتقدير قد في الثاني أو بدونه على الخلاف؛ ويجوز أن يكونا من رؤية القلب وهو الظاهر فهما حينئذ المفعول الثاني، وتعلق الرأي في الأول بالمثلية لا البشرية فقط، ويفهم من «الكشاف» أن في الآية وجهين: الأول أنهم أرادوا التعريض بأنهم أحق بالنبوة كأنهم قالوا: هب أنك مثلنا في الفضيلة والمزية من كثرة المال والجاه فلم اختصصت بالنبوة من دوننا، والثاني أنهم أرادوا أنه ينبغي أن يكون ملكاً لا بشراً، وتعقب هذا بأن فيه اعتزالاً خفياً، وقد بينه العلامة الطيبـي، ونوزع في ذلك ففي «الكشف» أن قولهم { مّثْلُنَا } علية لتحقيق البشرية، وقولهم { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ } الخ استدلال بأنهم ضعفاء العقول لا تمييز لهم، فجوّزوا أن يكون الرسول بشراً وقولهم الآتي { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } تسجيل بأن دعوى النبوة باطلة ـ لإدخاله عليه السلام والأراذل في سلك على أسلوب يدل أنهم أنقص البشر فضلاً عن الارتقاء، وليسس في هذا الكلام اعتزال خفي ولا المقام عنه أبـى انتهى.

وفي الانتصاف يجوز أن يكونوا قد أرادوا الوجهين جميعاً كأنهم قالوا: من حق الرسول أن يكون ملكاً لا بشراً وأنت بشر، وإن جاز أن يكون الرسول بشراً فنحن أحق منك بالرسالة، ويشهد لإرادتهم الأول قوله في الجوابوَلآ أَقُولُ إِنّي مَلَكٌ } [هود: 31] ويشهد لأرادتهم الثانية { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ } الخ، والظاهر أن مقصودهم ليس إلا إثبات أنه عليه السلام مثلهم وليس فيه مزية يترتب عليها النبوة ووجوب الإطاعة والاتباع، ولعل قولهم { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ } الخ جواب عما يرد عليهم من أنه عليه السلام ليس مثلهم حيث اتبعه من وفق لاتباعه، فكأنهم قالوا: إنه لم يميزك اتباع من اتبعك فيوجب علينا اتباعك لأنه لم يتبعك إلا الذين هم أراذلنا أي أخساؤنا وأدانينا، وهو جمع أرذل والأغلب الأقيس في مثله إذا أريد جمعه أن يجمع جمع سلامة كالأخسرون جمع أخسر لكنه كسر هنا لأنه صار بالغلبة جاريا مجرى الاسم، ولذا جعل في «القاموس» الرذل والأرذل بمعنى وهو الخسيس الدنيء، ومعنى جريانه مجرى الاسم أنه لا يكاد يذكر الموصوف معه كالأبطح والأبرق.

السابقالتالي
2 3