الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

كثيراً ما يُحدِّثنا القرآن الكريم عن هذه المسألة ويُذكِّرنا بالبدء والإعادة، لماذا؟ يهتم القرآن بهذه المسألة ويؤكد عليها لأنها كانت الأساس في دعوته لأنهم إنْ كانوا يؤمنون بأنهم يرجعون إلى الله لخافوا من عقابه لذلك يؤكد لهم في مواضع كثيرة حتمية الإعادة وأنها حَقٌّ. قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.. } [الروم: 27] استُهلَّت الآية بقوله تعالى وَهُوَ وفي آية أخرىٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.. } [الروم: 11] فكأن هُوَ مدلولها الله وهو كما نعلم ضمير غيبة، والحق سبحانه غَيْب عن الأنظار، ومن عظمته سبحانه أنه غيب، فلو كان مُدْركاً مُحسَّاً ما استحق أنْ يكون إلهاً، وكيف نطمع في إدراكه سبحانه ونحن لا نستطيع أن ندرك بعض مخلوقاته؟ فالمعاني التي خلقها الله لتسوس حركة الحياة: كلمة الحق، العدل، الحق الذي يقف القضاء كله ليؤيده ويُعلنه، والعدل الذي يحكم موازين الحياة ليوازن بين الشهوات وبين الحقائق، هذه المعاني لا تُدرَك بالحواس، فهل رأيتم العدل؟ هل سمعتم العدل؟ هل شممتم العدل؟... الخ. إذن: فالمعاني العالية لا يمكن أنْ تُدرك لأنها أرفع من الإدراك لأن بها يكون الإدراك، أيكون المخلوق للحق أسمى من أنْ يُدرك، ويكون الحق سبحانه موضعاً للإدراك. فإذا سمعت هُوَ فاعلم أنها لا تنصرف إلا إلى الإله الواحد الذي من عظمته أنه لا يُدرَكلاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ.. } [الأنعام: 103]. لذلك نقرأ في سورة الإخلاصقُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] فترى أن الله لفظ الجلالة، وهو عَلَم على واجب الوجود يأتي بعد هُوَ فكأن هُوَ أدلُّ على وجود الحق سبحانه من لفظ الجلالة الله، فكأنه لا يصح حين يُطلَق ضمير الغيبة هُوَ على شيء إلا الله لأنه لا شيء في الكون إلا الله. وقوله تعالى هنا { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ... } [الروم: 27] بالفعل المضارع الدالّ على الاستمرارية، مع أنه سبحانه بدأ الخَلْق بالفعلكَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [الأعراف: 29] فإنْ ذكرت الأولى فقد بدأ الخَلْق، وإن ذكرت الاستمرارية في الإيجاد فهو يبدأ دائماً، وفي كل وقت ترى في خَلْق الله شيئاً جديداً، فالخَلْق لم يأتِ مرة واحدة، ثم توقف، بل بدأ ثم استمر. ونلحظ أن القرآن يذكر هذه المسألة مرة بالماضي بَدَأ ومرة بالمضارع يَبْدأ لأن الخالق سبحانه بدأ الخلق فعلاً بخَلْق آدم عليه السلام الإنسان الأول:ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } [السجدة: 7] ولا يزال سبحانه بقيوميته خالقاً، يبدأ كل يوم وكل لحظة خَلْقاً جديداً نشاهده في الإنسان، وفي الحيوان، وفي النبات.. الخ. وبالخَلْق المتجدِّد للإنسان، حيث يُولَد كل لحظة مولود جديد نردُّ على الذين يقولون بتناسخ الأرواح - يعني: أن الروح تخرج من جسد فتحلُّ في جسد آخر - وهذا يعني أن تكون المواليد على قدر الوَفيَات، ويعني أن يظل العالم على تعداد واحد دون زيادة، ونحن نرى الآن مدى الكثافة السكانية التي يشكو العالم منها الآن، وهذه تكفي لهدم هذه النظرية.

السابقالتالي
2 3 4 5