الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ }

عطف علىأو لم يَهْدِ لهم } السجدة 26. ونيط الاستدلال هنا بالرؤية لأن إحياء الأرض بعد موتها ثم إخراج النبت منها دلالة مشاهدة. واختير المضارع في قوله { نسوق } لاستحضار الصورة العجيبة الدالة على القدرة الباهرة. والسَّوْق إزجاء الماشي مِن ورائه. و { الماء } ماء المزن، وسوقه إلى الأرض هو سوق السحاب الحاملة إياه بالرياح التي تنقل السحاب من جوّ إلى جوّ فشبهت هيئة الرياح والسحاب بهيئة السائق للدابة. والتعريف { في الأرض } تعريف الجنس. و { الجُرُز } اسم للأرض التي انقطع نبتها، وهو مشتق من الجَرز، وهو انقطاع النبت والحشيش، إما بسبب يُبس الأرض أو بالرَّعي، والجَرز القطع. وسمي السيف القاطع جُرازاً، قال الراجز يصف أسنان ناقة
تنحي على الشوك جُرَازاً مِقضباً والهَرْم تذريه إذْدِراءً عجباً   
فالأرض الجرز التي انقطع نبتها. ولا يقال للأرض التي لا تنبت كالسباخ جُرز. والزرع ما نبت بسبب بذر حبوبه في الأرض كالشعير والبر والفِصفصة وأكل الأنعام غالبه من الكلأ لا من الزرع فذكر الزرع بلفظه، ثم ذكر أكل الأنعام يدلّ على تقدير وكَلأً. ففي الكلام اكتفاء. والتقدير ونخرج به زرعاً وكَلأً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم. والمقصود الاستدلال على البعث وتقريبه وإمكانه بإخراج النبت من الأرض بعد أن زال فوجه الأول. وأدمج في هذا الاستدلال امتنان بقوله { تأكل منه أنعامهم وأنفسهم }. ثم فرع عليه استفهام تقريري بجملة { أفلا يبصرون }. وتقدم بيان مثله آنفاً في قولهأفلا يسمعون } السجدة 26. ونيط الحكم بالإبصار هنا لأن دلالة إحياء الأرض بعد موتها دلالة مشاهدة.