الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً }

{ لَقَد صَدَق اللَّهُ رسُولَه الرُّؤيا بالحقِّ } يتعلق بمحذوف مفعول مطلق، أى صدقا مقترنا بالحق الذى هو ضد الباطل، وهو الغرض الصحيح، والحكمة البالغة، وهو ظهور الشاك فى الدين، والراسخ فيه، ولذلك أخر الرؤيا الى العام القابل بعد الحديبية، أو حال من الرؤيا أى مقترنه بالصدق، لا أضغاث أحلام، أو من لفظ الجلالة، أو رسول الله أو متعلق بصدق وقوله: { لتَدخلنَّ المَسْجْد الحرام } جواب قسم محذوف، أى والله لتدخلن والوقف على بالحق، أو بوقف على الرؤيا، ويجعل بالحق قسما جوابه لتدخلن، فيكون الحق اسما لله تعالى أو ليدنه، ودينه مخلوق وهو التكليف به، والله يجوز له القسم بخلقه، ولا يجوز لنا القسم بغير الله إلا أفعاله، فيجوز لنا القسم بها وهى غير الله تعالى، بخلاف صفاته فانها هو.

وصدق يتعدى لواحد يقال: صدق زيد فى قوله وفى فعله، ولاثنين تقول: صدق الناس زيدا قولهم وفعلهم، كما فى الآية، وكذا كذب، والذى بالحرف فيهما هو الثانى والصدق والكذب يكونان فى القول والفعل، وما فى الآية من الفعل، وقيل الثانى منصوب على نزع الجار، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الخروج الى الحديبية أنه وأصحابه دخلوا مكة آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين وهو الصحيح، وعن مجاهد أنه رآها فى الحديبية، والجمهور على الأول ففرحوا، وظنوا أن ذلك فى عامهم أو سفرتهم سفرة الحديبية، وقالوا: إن رؤيا الرسول حق، ولما تأخر قال عبد الله بن أبى، وعبد الله بن نفيل، ورفاعة بن الحارث معرضين بكذبه حاشاه صلى الله عليه وسلم: والله ما حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت الآية، وقال عمر رضى الله عنه مصدقا طالبا لتفسير الرؤيا، وليس فى كلامه صلى الله عليه وسلم اشتراط المشيئة، وهى فى الآية كما قال الله عز وجل:

{ إنْ شَاء الله } الله عالم بوقوع ما يقع، وبعدم وقوع ما لا يقع فالشرطية تعليم للخلق أن يستثنوا فيما لا يعلمون، واشارة الى أن دخول المسجد الحرام لمشيئته لا لجلادتهم وتدبيرهم، وقيل: الشرطية راجعه الى المخاطبين مثل ما قيل فى صيغة الترجى فى كلام الله تعالى أنها راجعة اليهم، وبحث بأن تغليب الشاكين لا يناسب المقام، بل الأمر المناسب تغليب غير الشاكين، وان أريد بالشاكين المؤمنون صح بأن يعتقدوا أن دخول المسجد الحرام يكون ان شاءه الله تعالى، وقيل: لتدخلن المسجد الحرام كلكم ان شاء الله، وليس هذا مغنيا فى الجواب، لأنه تعالى جازم بأنهم يدخلونه جميعا، ولا شك فى المشيئة، وان قضى أن يدخله بعض دون بعض دخله بعض فقط ولا شك.

ثم ظهر وجه آخر لا اشكال فيه ولا حذف، هو أنه أجرى الأمر على الابهام، كأنه قيل: ان شاء الله دخلتموه، ولا مانع فانتظروا فما وقع، فهو مشيئته الأزلية كأنه قيل الأمر راجع الى مشيئته، وقد شاء دخوله، أو ان شاء دخلتم كلكم، وان شاء دخل جلكم، وقد شاء ما وقع من ذلك بعد دخول الجل إذ مات بعض كما قيل: ان قوله " إنْ شاء الله " كناية عن أن بعضا يموت قبل الدخول، وقيل ذلك من ملك الرؤيا ترجح عنده الدخول فأكده، واستثنى المشيئة، وكذا إن قيل ذلك الاستثناء منه صلى الله عليه وسلم فى اليقظة، ورد بأنه لم يقل قال محمد: ان شاء الله، وكيف يدخل كلام غير الله فى كلام الله تعالى بلا حكاية، ويبعد ما اجيب به من أن جواب القسم بيان للرؤيا وقائلها فى المنام ملك، وفى اليقظة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهى فى حكم المحكى، وقول الرسول: ان شاء الله أقل بعدا من قول الملك: ان شاء الله،ولا يثبت ما قيل أن بمعنى إذ، كما قيل فى قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3