الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { لِلْفُقَرَآءِ } الآية: في تعلُّق هذا الجارِّ خمسة أوجهٍ:

أحدها: - وهو الظاهر - أنه متعلِّق بفعل مقدرٍ، يدلُّ عليه سياق الكلام، واختلفت عبارات المعربين فيه، فقال مكي - ولم يذكر غيره -: " أَعْطُوا لِلْفقراءِ " ، وفي هذا نظرٌ؛ لأنه يلزم زيادة اللام في أحد مفعولي أعطى، ولا تزاد اللام إلا لضعف العامل: إمَّا بتقدُّم معموله كقوله تعالى:لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف:43]، وإمَّا لكونه فرعاً؛ نحو قوله تعالى:فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود:107] ويبعد أن يقال: لمَّا أُضمر العامل، ضعف؛ فقوي باللام، على أنَّ بعضهم يجيز ذلك، وإن لم يضعف العامل، وجعل منهرَدِفَ لَكُم } [النمل:72]، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقدَّره أبو البقاء: " اعْجَبُوا لِلْفُقَرَاءِ " وفيه نظرٌ، لأنه لا دلالة من سياق الكلام على العجب. وقدَّره الزمخشريُّ: " اعْمدُوا، أو اجعلوا ما تُنْفقون للفقراء " والأحسن من ذلك ما قدَّره مكي، لكن فيه ما تقدَّم.

الثاني: أنَّ هذا الجارَّ خبر مبتدأ محذوف، تقديره: الصدقات أو النفقات التي تنفقونها للفقراء، وهو في المعنى جوابٌ لسؤالٍ مقدَّر، كأنهم لما حثُّوا على الصدقات، قالوا: فلمن هي؟ فأجيبوا بأنها لهؤلاء، وفيها بيان مصرف الصَّدقات. وهذا اختيار ابن الأنباري.

قال ابن الخطيب: لما تقدمت الآيات الكثيرة في الحث على الإنفاق، قال بعدها " لِلْفُقَرَاءِ " أي: ذلك الإنفاق المحثوث عليه للفقراء وهذا كما إذا تقدم ذكر رجل، فتقول: عاقلٌ لبيبٌ، والمعنى: أن ذلك الذي مرَّ وصفه عاقلٌ لبيبٌ، وكذلك الناس يكتبون على الكيس يجعلون فيه الذهب، والفضَّة: ألفان، أو مائتان، أي: ذلك الذي في الكيس ألفان، أو مائتان.

وأنشد ابن الأنباري: [الرجز]
1237- تَسْأَلُنِي عَنْ زَوْجِهَا أَيُّ فَتَى   خبٌّ جَرُوزٌ وَإِذَا جَاعَ بَكَى
يريد: هو خبٌّ.

الثالث: أنَّ اللام تتعلَّق بقوله تعالى:إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ } [البقرة:271] وهو مذهب القفَّال، واستبعده الناس؛ لكثرة الفواصل.

الرابع: أنه متعلِّقٌ بقوله تعالى: { وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } وفي هذا نظرٌ؛ من حيث إنه يلزم فيه الفصل بين فعل الشرط وبين معموله بجملة الجواب، فيصير نظير قولك: مَنْ يُكْرِمْ أُحْسِنْ إليه زيداً. وقد صرَّح الواحديُّ بالمنع من ذلك، معلِّلاً بما ذكرناه، فقال: وَلاَ يجوزُ أن يكون العاملُ في هذه اللام " تنفقوا " الأخير في الآية المتقدمة الكريمة؛ لأنه لا يفصل بين العامل، والمعمول بما ليس منه، كما لا يجوز: " كانَتْ زَيْداً الحُمَّى تأخُذُ ".

الخامس: أنَّ " للفقراء " بدلٌ من قوله: " فلأَنْفُسِكُمْ " ، وهذا مردودٌ؛ قال الواحدي، وغيره: " لأنَّ بدل الشيء من غيره، لا يكون إلا والمعنى مشتملٌ عليه، وليس كذلك ذكر النفس ههنا؛ لأنَّ الإنفاق من حيث هو عائدٌ عليها، وللفقراء من حيث هو واصلٌ إليهم، وليس من باب

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9