الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قوله: { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ }: " مِنْ شركاء " مبتدأٌ، و " مِنْ " مزيدةٌ فيه لوجودِ شرطَيْ الزيادة. وفي خبره وجهان، أحدهما: الجارُّ الأولُ وهو " لكم " و { مِّن مَّا مَلَكَتْ }: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " شركاءَ " لأنه في الأصل نعتُ نكرةٍ، قُدِّم عليها. والعاملُ فيه العاملُ في هذا الجارِّ الواقع خبراً. والخبرُ مقدرٌ بعد المبتدأ، و { فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } متعلِّقٌ بشركاء. [وما في " ممَّا " بمعنى النوع] تقديرُ ذلك كلِّه: هل شركاءُ فيما رَزَقْناكم كائنون مِن النوع الذي مَلَكَتْه أَيْمانُكم مستقِرُّون لكم. فكائنون هو الوصفُ المتعلِّقُ به " ممَّا مَلَكَتْ " ولَمَّا تقدَّم صار حالاً، و " مستقرُّون " هو الخبرُ الذي تعلَّق به " لكم ".

والثاني: أنَّ الخبرَ " مِمَّا مَلَكَتْ " و " لكم " متعلِّقٌ بما تَعَلَق به الخبرُ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " شركاء " أو بنفس " شركاء " كقولك: " لك في الدنيا مُحِبٌّ " فـ " لك " متعلقٌ بـ مُحِبّ. و " في الدنيا " هو الخبرُ.

قوله: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } هذه الجملةُ جوابُ الاستفهامِ الذي بمعنى النفي، و " فيه " متعلِّقٌ بـ " سَواء ".

قوله: " تَخافونهم " فيه وجهان، أحدهما: أنها خبرٌ ثانٍ لـ أنتم. تقديرُه: فأنتم مُسْتَوُوْن معهم فيما رَزَقْناكم، خائفوهم كخَوْفِ بعضِكم بعضاً أيها السادة. والمرادُ نَفْيُ الأشياء الثلاثة أعني الشِّرْكةَ والاستواءَ مع العبيد وخوفَهم إياهم. وليس المرادُ ثبوتَ الشركة ونَفْيَ الاستواءِ والخوفِ، كما هو أحدُ الوجهين في قولك: " ما تأتينا فتحدِّثَنا " بمعنى: ما تأتينا مُحدِّثاً بل تأتينا ولا تحدثنا، بل المرادُ نفيُ الجميع كما تقدَّم.

وقال أبو البقاء: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } الجملةُ في موضع نصبٍ على جوابِ الاستفهامِ أي: " هل لكم فَتَسْتَوُوا " انتهى. وفيه نظرٌ؛ كيف جَعَل جملةً اسمية حالَّةً محلَّ جملةٍ فعلية، ويَحْكمُ على موضع الاسمية بالنصب بإضمارِ ناصبٍ؟ هذا ما لا يجوزُ ولو أنه فَسَّر المعنى وقال: إنَّ الفعلَ لو حَلَّ بعدَ الفاءِ لكان منصوباً بإضمار " أن " لكان صحيحاً. ولا بُدَّ أَنْ يُبَيَّنَ أيضاً أنَّ النصبَ على المعنى الذي قَدَّمْتُه مِنْ نَفْيِ الأشياءِ الثلاثة.

والوجه الثاني: أنَّ " تخافونهم " في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير الفاعل/ في " سَواء " أي: فتساوَوْا خائِفاً بعضُكم بعضاً مشاركتَه له في المال. أي: إذا لم تَرْضَوا أن يشارِكَكم عبيدُكم في المال فكيف تُشرِكون بالله مَنْ هو مصنوعٌ له؟ قاله أبو البقاء.

وقال الرازي معنى حسناً، وهو: " أنَّ بين المَثَلِ والمُمَثَّلِ به مشابهةً ومخالفةً.

السابقالتالي
2