الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ } حقيقة الاشارة مع الشاهدين لله بنعت المحبة وحلاوة الوصلة ايها المشاهدون اتقونى فيما وجدتم منى من لذة الوصال والشغف بالجمال حتى لا يحجبكم عن السير فى انوار أزلى وآبادى والسباحة فى بحار ذاتى بسفن العجز فمن احتجب بى عنى فهو منقطع عنى واقتدوا بسنة الانبياء والمرسلين والمشاهدين والعارفين فيها وجد منى واستقام فى طلب المزيد وما احتجب به عنى حيث استغفر فى كل يوم سبعين مرة من الخطاب الوقوف والسكون فى المعروف حين سلك مسالك الآزال والاباد بمراكب الاصطفائية الازلية { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } نصيبين اى عينين من عيون ذاتى وصفاتى فترونى بالعين الصفاتية مشاهدة صفاتى وبالعين الذاتية مشاهدة ذاتى كما آتى حبيبه هذين الكفين وهذين العينين وبهما رانى وبهما عرفنى { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } يعطيكم نورا من نوره يمشون بمركبه فى ميادين الازل والابد بنعت المعرفة والمحبة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } قصور إدراككم حقيقة وجوده { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } غفور بحيث هداكم الى نفسه رحيم بانه يغيثكم من الاستهلاك والاستغراق فى بحار عظمته ويبقيكم به بعد الفناء فيه حتى تعيشوا فى مشاهدة جماله ابدا قال الجنيد اى يا ايها الموحدون اتقوا الله ان لا يسلبكم حلاوة معرفته وسرور محبته وأمنوا برسوله اى اقتدوا به فى محبته لمولاه واستسلام نفسه اليه يوتكم كفلين من رحمته نورا من نوره تقوون به فى ذكره ونوراً تقوون به على مشاهدته ويؤيدكم بنوره الساطع فى ارواح اهل محبته الذى به يقومون على استماع كلامه والتمتع بمخاطبته ويغفر لكم ذنوبكم ملاحظتكم انفسكم قال سهل فى قوله يؤتكم كفلين من رحمته هو السر والعين فالسر سر المعرفة والعين عين الطاعة وقال الاستاذ نصيبين من فضله عصمةً ونعمة فالعصمة من البقاء عنه والنعمة فى البقاء به ثم ان الله سبحانه بين ان الوصول الى هذه المقامات من النبوة والولاية لا يكون الا بفضله وهدايته وارادته وقدرته بقوله { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } اخرج فضله من الاكتساب وعلل الجهد والطلب يؤتى هذه الكرامات من يشاء من عباده المصطفين فى ازله بالعناية والكفاية { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } ذو العطاء فى الازل الى الابد عظم فضله بعظمه والفضل العظيم ما لا ينقطع عن المنعم عليه ابدا.