الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }

الرهان جمع رهن بمعنى مرهون من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول وقرأ ابن كثير وأبو عمر { فَرِهَنٌ مَّقْبُوضَةٌْْ } وأصل الرهن فى كلام العرب يدل على الحبس قال - تعالى -كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } ومعنى الرهن أن يوضع شىء يناسب قيمة الدين من متاع المدين بيد الدائن توثقه له فى دينه، ليستطيع أن يستوفى حقه من هذا الشىء المرهون عند تعذر الدفع. والمعنى وإن كنتم. أيها المؤمنون - مسافرين وتداينتم بدين إلى أجل مسمى، ولم تجدوا كاتباً يكتب لكم ديونكم، أو لم تتيسر لكم أسباب الكتابة لأى سبب من الأسباب، فإنه فى هذه الحالة يقوم مقام الكتابة رهان مقبوضة صاحب الدين ضماناً لحقه عند تعذر أخذه من الغريم. وفى التعبير بقوله { عَلَىٰ سَفَرٍ } استعارة تبعية حيث شبه تمكنهم فى السفر بتمكن الراكب من مركوبه. وفيه كذلك إشارة إلى اضطراب الحال، لأن حال المسافر يغلب عليها التنقل وعدم الاستقرار. وجملة { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً } معطوفة على فعل الشرط، أى وإن كنتم مسافرين ولم تجدوا، كاتبا فتكون فى محل جزم تقديراً. ويجوز أن تكون الواو للحال والجملة بعدها فى محل نصب على الحال. وقوله { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } خبر لمبتدأ محذوف والتقدير فالذى يستوثق به رهان مقبوضة. أو مبتدأ محذوف الخبر والتقدير فعليكم رهان مقبوضة. ومن الأحكام التى أخذها الفقهاء من هذه الآية الكريمة أن تعليق الرهان على السفر ليس لكون السفر شرطاً فى صحة الرهان، فإن التعامل بالرهان مشروع فى حالتى السفر والحضر، وإنما علق هنا على السفر لأنه مظنة تعسر الكتابة لما فيه من التنقل وعدم الاستقرار. وقد ثبت فى الصحيحين عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ودرعه مرهونة عند يهودى على ثلاثين وسقاً من شعير رهنها قوتاً لأهله ". ومن الواضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رهن درعه لليهودى كان مقيماً ولم يكن مسافرا. قال القرطبى " ولم يرو عن أحد منع الرهن فى الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود متمسكين بالآية، ولا حجة فيها لهم، لأن هذا الكلام وإن خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال. وليس كون الرهن فى الآية فى السفر مما يحظر فى غيره ". كذلك أخذ بعض الفقهاء من قوله { فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ } أن الرهن لا يتم إلا بالقبض، فإذا افترق المتعاقدان من غير قبض كان الرهن غير صحيح بنص الآية وهذا مذهب الأحناف والشافعية، ويرى المالكية والحنابلة أن الرهن يتم من غير القبض، لأن القبض حكم من أحكامه، فمن حق الدائن بعد تمام عقد الرهن أن يطالب بقبض العين المرهونة، فالقبض حكم من أحكام العقد، وليس ركنا من أركانه ولا شرطا لتمامه.

السابقالتالي
2 3