الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

اللغة: الوسع ما دون الطاقة ويسمى ذلك وسعاً بمعنى أنه يسع الإنسان ولا يضيق عنه وأخطأنا أي كسبنا خطيئة وقال أبو عبيدة أخطأ وخِطئ لغتان والفرق بين أخطأ وخطئ أن أخطأ قد يكون على وجه الإثم وغير الإثم فأما خطئ فالإثم لا غير قال الشاعر:
وَالناسُ يَلْحُونَ الأَميرَ إِذا هُمُ   خَطِئُوا الصَّوابَ وَلا يلاَمُ المُرشِدُ
والأصر في اللغة الثقل قال النابغة:
يا مانِعَ الضَيْمَ أَنْ يَغْشى سُراتَهُمُ   وَالحامِلَ الأَصْرَ عَنْهُمُ بَعْدَما غَرِقُوا
وكل ما عطفك على شيء من عهد أو رحم فهو أصر وجمعه أصار ويقال أصَرَه يأصره أصراً والإسلام الإصر قال النابغة:
يا ابنَ الحَواضِنِ وَالحْاضِنا   تِ أَتَنْقُضُ إصْرَكَ حالاً فَحالاَ
أي عهدك والآصرة صلة الرحم للعطف لـها قال الكميت:
نَضَحْتُ أديمَ الوُدِّ بَيْني وَبَيْنَهُمْ   بــــآصِرَةِ الأَرْحــامِ لَوْ تَتَبَلَّلُ
المعنى: ثم بيّن سبحانه أنه فيما أمر ونهى لا يكلف إلا دون الطاقة فقال: { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } أي لا يأمر ولا ينهى أحداً إلا ما هو لـه مستطيع وقيل إن معنى قولـه إلا وسعها إلا يسرها دون عسرها ولم يكلفها طاقتها ولو كلفها طاقتها لبلغ المجهود منها عن سفيان بن عيينة وهذا قول حسن وفي هذا دلالة على بطلان قول المجبرة في تجويز تكليف العبد ما لا يطيقه لأن الوسع هو ما يتسع لـه قدرة الإنسان وهو فوق المجهود واستفراغ القدرة وقال بعضهم إن معناه إلا ما يسعها ويحل لـها وهذا خطأ لأن من قال لعبده لا آمرك إلا بما أطلق لك أن تفعلـه لكان ذلك غياً منه وخطأ لأن نفس أمره إطلاق فكأنه قال لا أطلق لك ولا آمرك إلا بما آمرك وقولـه { لـها ما كسبت } معناه لـها ثواب ما كسبت من الطاعات { وعليها } جزاء { ما اكتسبت } من السيئات ويجوز أيضاً أن يسمى الثواب والعقاب كسباً من حيث حصلا بكسبه { ربنا لا تؤاخذنا } قيل تقديره قولوا ربنا على جهة التعليم للدعاء عن الحسن وقيل تقديره يقولون ربنا على جهة الحكاية والثناء { إن نسينا أو أخطأنا } قيل فيه وجوه أحدها: أن المراد بنسينا تركنا كقولـه تعالىنسوا الله فنسيهم } [التوبة: 67] أي تركوا طاعته فتركهم من ثوابه وقولـهوتنسون أنفسكم } [البقرة: 44] ومنه قول الشاعر:
وَلَمْ أكُ عِنْدَ الجُودِ لِلْجُودِ قالِياً   وَلا كُنْتُ يَوْمَ الرَّوْعِ لِلْطَعْنِ ناسِيا
أي تاركاً والمراد بأخطانا أي أذنبنا لأن المعاصي توصف بالخطأ من حيث إنها ضد الصواب وإن كان فاعلـها متعمداً فكأنه تعالى أمرهم أن يستغفروا مما تركوه من الوجبات ومما فعلوه من المقبحات والثاني: أن معنى قولـه إن نسينا أن تعرّضنا لأسباب يقع عندها النسيان عن الأمر والغفلة عن الواجب أو أخطأنا أي تعرضنا لأسباب يقع عندها الخطأ ويحسن الدعاء بذلك كما يحسن الاعتذار منه والثالث: أن معناه لا تؤاخذنا إن نسينا أي إن لم نفعل فعلاً يجب فعلـه على سبيل السهو والغفلة أو أخطأنا أي فعلنا فعلاً يجب تركه من غير قصد ويحسن هذا في الدعاء على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به وإن كان مأموناً منه المؤاخذة بمثلـه ويجري ذلك مجرى قولـه فيما بعد { ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } على أحد الأجوبة وقولـه رب أحدكم بالحق وقد تقدم ذكر أمثالـه والرابع: ما روي عن ابن عباس وعطاء أن معناه لا تعاقبنا إن عصينا جاهلين أو متعمدين وقولـه { ربنا ولا تحمل علينا إصراً } قيل فيه وجهان أحدهما: أن معناه لا تحمل علينا عملاً نعجز عن القيام به ولا تعذبنا بتركه ونقضه عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع والسدي والثاني: أن معناه لا تحمل علينا ثقلاً عن الربيع ومالك وعطاء يعني لا تشدد الأمر علينا.

السابقالتالي
2