الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

هذا هو النعمة الثانية التي عَمّت المكلفين بأسرهم.

" هو " مبتدأ، وهو ضمير مرفوع منفصل للغائب المذكر، والمشهور تخفيفُ واوه وفتحها، وقد تشدد؛ كقوله: [الطويل]
343- وَإِنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا   وَهُوَ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ
وقد تسكن، وقد تحذف كقوله: [الطويل]
344- فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ....   ...............................
والموصول بعده خبر عنه. و " لكم " متعلّق بـ " خلق " ، ومعناها السَّببية، أي: لأجلكم، وقيل: للملك والإباحة، فيكون تمليكاً خاصاً بما ينتفع به.

وقيل: للاختصاص، و " ما " موصولة، و " في الأرض " صلتها، وهي في محلّ نصب مفعول به، و " جميعاً " حال من المفعول بمعنى " كلّ " ، ولا دلالة لها على الاجتماع في الزَّمَان، وهذا هو الفَارِقُ بين قولك: جَاءُوا جميعاً و " جاءوا معاً " فإنّ " مع " تقتضى المُصَاحبة في الزمان، بخلاف " جميع " قيل: وهي - هُنَا - حال مؤكدة، لأن قوله: { مَّا فِي ٱلأَرْضِ } عام.

فصل في بيان أن الأصل في المنافع الإباحة

استدلّ الفُقَهَاء بهذه الآيةِ على أنّ الأصل في المَنَافع الإباحة.

وقيل: إنها تدلُّ على حرمة أكل الطِّين، لأنه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض، وفيه نظر؛ لأن تخصيص الشيء بالذِّكر لا يدلّ على نفي الحكم عما عَدَاه، وأيضاً فالمعادن داخلة في ذلك، وكذلك عروق الأرض، وما يجري مجرى البعض لها.

وقد تقدّم تفسير الخلق، وتقدير الآية كأنه - سُبْحانه وتعالى - قال: كيف تكفرون بالله، وكنتم أمواتاً فأحياكم؟ وكيف تكفرون بالله، وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً؟

أو يقال: كيف تكفرون بقدرة الله على الإعادة، وقد أحياكم بعد موتكم، وقد خلق لكم كل ما في الأرض، فكيف يعجز عن إعادتكم؟.

قوله: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }.

أصل " ثم " أن تقتضي تراخياً زمانياً، ولا زمان هنا، فقيل: إشارة إلى التراخي بين رُتْبَتَيْ خلق الأرض والسماء.

وقيل: لما كان بين خلق الأرض والسماء أعمال أُخَر من جعل الجِبَال والبَرَكة، وتقدير الأقوات، كما أشار إليه في الآية الأخرى عطف بـ " ثم "؛ إذ بين خلق الأرض والاستواء إلى السماء تراخ.

و " استوى ": معناه لغة: استقام واعتدل، من استوى العُودُ.

وقيل: علا وارتفع؛ قال الشاعر: [الطويل]
345- فَأوْرَدْتُهُمْ مَاءً بِفَيْفَاءَ قَفْرَةٍ   وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ الْيَمَانِيُّ فَاسْتَوَى
وقال تعالى:فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ } [المؤمنون: 28].

ومعناه هنا: قصد وعمل. وفاعل " اسْتَوَى " ضمير يعود على الله.

وقيل: يعود على الدُّخَان نقله ابن عطية.

وهو غلط لوجهين:

أحدهما: عدم ما يدلّ عليه.

والثاني: أنه يرده قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5