الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَكُونَ }: في هذا الاستثناء قولان، أحدهما: ـ وهو الأصح ـ أنه استثناء منقطع لوجهين، أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها، سواء فَسَّرت الباطل بغير عوض أو بغير طريق شرعي. والثاني: أن المستثنى كون، والكونُ ليس مالاً من الأموالِ. والثاني: أنه متصلٌ، واعتلَّ صاحب هذا القول بأن المعنى: لا تأكلوها بسببٍ إلاَّ أَنْ تكونَ تجارةً. قال أبو البقاء: " وهو ضعيف، لأنه قال: " بالباطل " ، والتجارةُ ليست من جنس الباطل، وفي الكلام حذفُ مضاف تقديره: إلا في حال كونِها تجارةً أو في وقت كونِها تجارةً ". انتهى. فـ " أن تكون " في محلِّ نصبٍ على الاستثناء وقد تقدَّم لك تحقيقُ ذلك.

وقرأ الكوفيون: " تجارةً " نصباً على أنَّ " كان " ناقصة، واسمُها مستتر فيها يعود على الأموالِ، ولا بد من حذف مضاف من " تجارة " تقديره: إلا أن تكونَ الأموال أموالَ تجارة، ويجوز أن يُفَسَّر الضمير بالتجارة بعدها أيَ: أن تكون التجارةُ تجارةً كقوله:
1576ـ........................     إذا كان يوماً ذا كواكبَ أَشْنعا
أي: إذا كان اليومُ يوماً، واختار أبو عبيد قراءة الكوفيين. وقرأ الباقون " تجارةٌ " رفعاً على أنها " كان " التامة. قال مكي: " الأكثرُ في كلام العرب أنَّ قولهم: { إِلاَّ أَن تَكُونَ } في الاستثناء بغيرِ ضمير فيها، على معنى يَحْدُث ويَقَعُ ". وقد تقدم القول في ذلك في البقرة.

و { عَن تَرَاضٍ } متعلق بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لـ " تجارة " ، فموضعه رفع أو نصب على حَسَبِ القراءتين. وأصل " تراض " " تراضِوٌ " بالواو، لأنه مصدر تراضى تفاعلَ من رَضِي، ورَضِي من ذوات الواو بدليل الرُّضوان، وإنما تطرَّفت الواو بعد كسرة فقلبت ياء فقلت: تراضياً. و " منكم " صفة لـ " تراضٍ " فهو في محل جر، و " من " لابتداء الغاية. وقرأ علي رضي الله عنه: " تُقَتِّلوا " بالتشديد على التكثير، والمعنى: لا يقتلْ بعضكم بعضاً.