الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَٰهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَـٰبَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ ءَاثَـٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَـٰهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ } ، على دينه، { رَأْفَةً } ، وهي أشد الرقة، { وَرَحْمَةً } ، كانوا متوادين بعضهم لبعض، كما قال الله تعالى في وصف أصحاب النبي:رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } ، [الفتح: 29] { وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا } ، من قبل أنفسهم وليس هذا بعطف على ما قبله، وانتصابُه بفعل مضمر كأنه قال: وابتدعوا رهبانية أي جاؤوا بها من قِبَل أنفسهم، { مَا كَتَبْنَاهَا } ، أي ما فرضناها، { عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَٰنِ اللهِ } ، يعني: ولكنهم ابتغوا رضوان الله بتلك الرهبانية، وتلك الرهبانيةُ ما حملوا أنفسهم من المشاقِّ في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال، { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } ، أي لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى فتهودوا وتنصروا ودخلوا في دين ملوكهم وتركوا الترهُّب، وأقام منهم أناس على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حتى أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وذلك قوله تعالى: { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ أجْرَهُمْ } ، وهم الذين ثبتوا عليها وهم أهل الرأفة والرحمة، { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونْ } ، وهم الذين تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى عليه الصلاة والسلام. أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عبد الله بن حامد أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا الصعق بن حَزْن، عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة " عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرهن فرقة آزت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى عليه الصلاة والسلام، فأخذوهم وقتلوهم وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه السلام فساحوا في البلاد وترهبوا، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ فيهم: { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَـٰهَا عليهم } فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون ". وروي " عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: يا ابن أم عبد هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فَهُزِم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل، فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو له، فقالوا: تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام، يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في غِيرانِ الجبال، وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر، ثم تلا هذه الآية: { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } الآية، { فَـآتَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ } يعني من ثبتوا عليها أجرهم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت: الله ورسله أعلم، قال: الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة، والتكبير على التلاع ".

السابقالتالي
2 3 4