الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ }

قوله: { لَوَّاحَةٌ }: قرأ العامَّةُ بالرفع خبرَ مبتدأ مضمر، أي: هي لَوَّاحَةٌ. وهذه مُقَوِّيةٌ للاستئنافِ في " لا تُبْقي ". وقرأ الحسن وابنُ أبي عبلة وزيدُ بن علي وعطيةُ العَوْفي بنَصْبِها على الحال، وفيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها حالٌ مِنْ " سقرُ " والعاملُ معنى التعظيمِ كما تقدَّم. والثاني: أنها حالٌ مِنْ " لا تُبْقي ". والثالث: مِنْ " لا تذرُ ". وجَعَلَ الزمخشري نَصْبَها على الاختصاصِ للتهويل، وجعلها الشيخ حالاً مؤكدة قال: " لأنَّ النارَ التي لا تُبْقي ولا تَذَرُ لا تكونُ إلاَّ مُغَيِّرةً للإِبشارِ " " ولَوَّاحَةٌ " بناءُ مبالغةٍ، وفيها معنيان، أحدهما: مِنْ لاح يَلُوح، أي: ظهر، أي: إنها تظهر للبَشَرِ وهم الناسُ، وإليه ذهب الحسن وابن كَيْسان. والثاني: - وإليه ذهبَ جمهورُ الناس ـ أنها مِنْ لوَّحه، أي: غَيَّره وسَوَّده. قال الشاعر:
4390ـ وتعجَبُ هندٌ أَنْ رَأَتْنِيَ شاحباً   تقول: لَشَيءٌ لوَّحَتْه السَّمائِمُ
ويقال: لاحَه يَلُوْحه: إذا غَيَّر حِلْيَتَيْه، وأُنْشِد:
4391ـ تقول: ما لاحك يا مسافِرُ   يا بنةَ عمِّي لاحَني الهواجِرُ
وقيل: اللَّوحُ شِدَّةُ العَطَشِ. يقال: لاحَه العطشَ ولَوَّحَه، أي: غَيَّره، وأُنْشدِ:
4392ـ سَقَتْني على لَوْحٍ مِنْ الماءِ شَرْبَةً   سَقاها به اللَّهُ الرِّهامَ الغَواديا
واللُّوْحُ بالضمِّ: الهواءُ بين السماءِ والأرضِ، والبَشَرُ: إمَّا جَمْعُ بَشَرَة، أي: مُغَيِّرة للجُلود، [وإمَّا المُرادُ به الإِنْسُ] واللامُ في " للبَشَرِ " مُقَوِّيَةٌ كهي فيلِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]، وقراءةُ النصبِ في " لَوَّاحَةً " مقوِّيَةٌ لكونِ " لا تُبْقي " في محلِّ الحالِ.