الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }

القراءة، والاعراب:

قرأ أهل الكوفة: { تجارة } نصباً، الباقون: بالرفع، فمن رفع ذهب إلى أن معناه: إلا أن تقع تجارة، ومن نصب فمعناه: إلا أن تكون الأموال تجارة، أو أموال تجارة، وحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، ويكون الاستثناء منقطعاً، ويجوز أن يكون التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، كما قال الشاعر:
إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا   
وتقديره: إذا كان اليوم يوماً ذا كواكب، ذكره أبو علي النحوي. وقال الرماني التقدير: إلا أن تكون الاموال تجارة، ولم يبين. والقول ما قال أبو علي، لأن الأموال ليست تجارة. ومن شأن خبر كان أن يكون هو إسمها في المعنى. وقيل: الرفع إقوى، لأنه أدل في الاستثناء على الانقطاع، فان التحريم لأكل المال بالباطل على الاطلاق. وفي الناس من زعم أن نصبه على قول الشاعر:
إذا كان طعناً بينهم وعناقا   
أي إذا كان الطعن طعناً. قال الرماني: وهذا ليس بقوي، لأن الاضمار قبل الذكر ليس يكثر في مثل هذا، وإن كان جائزاً، فالرفع يغني عن الاضمار فيه.

المعنى:

وفي معنى قوله: { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } قولان:

أحدهما - قال السدي: بالربا، والقمار، والبخس، والظلم، وهو المروي عن أبي جعفر (ع).

الثاني - قال الحسن: بغير استحقاق من طريق الأعواض. وكان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعدما نزلت هذه الآية، إلى أن نسخ ذلك بقوله في سورة النور:ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم.. } إلى قوله:جميعاً أو أشتاتاً } والأول أقوى، لأن ما أكل على وجه مكارم الأخلاق فليس هو أكل بالباطل. وقيل: معناه التخاون، ولذلك قال: { بينكم }.

وقوله: { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فيه دلالة على بطلان قول من حرم المكاسب، لأنه تعالى حرم أكل الأموال بالباطل، وأحله بالتجارة على طريق المكاسب. ومثل قوله:وأحل الله البيع وحرم الربا } وقيل في معنى التراضي بالتجارة قولان:

أحدهما - إمضاء البيع بالتفرق، أو بالتخاير بعد العقد في قول شريح، وابن سيرين، والشعبي، لقوله (صلى الله عليه وسلم): " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار " وربما قالوا: أو يقول أحدهما للآخر اختر، وهو مذهبنا.

الثاني - إمضاء البيع بالعقد - على قول مالك بن أنس، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد - بعلة رده إلى عقد النكاح، ولا خلاف أنه لا خيار فيه بعد الافتراق، وقيل: معناه إذا تغابنوا فيه مع التراضي فانه جائز.

وقوله: { ولا تقتلوا أنفسكم } قيل فيه ثلاثة أقوال:

أحدها - قال عطاء، والسدي، وأبو علي الجبائي، والزجاج: لا يقتل بعضهم بعضاً من حيث كانوا أهل دين واحد، فهم كالنفس الواحدة، كما يقول القائل: قتلنا ورب الكعبة، ومعناه قتل بعضنا، لأنه صار كالقتل لهم، ومثله قوله:

السابقالتالي
2