الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

يذكِّرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه هو الذي خلق ما في الأرض جميعاً، وقد جاءت هذه الآية بعد قوله تعالى:فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [البقرة: 28] لتلفتنا إلى أن ما في الأرض كله ملك لله جل جلاله، وأننا لا نملك شيئاً إلا ملكية مؤقتة. وأن ما لنا في الدنيا سيصير لغيرنا. وهكذا. والحق سبحانه وتعالى حين خلق الحياة وقالوَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ.. } [البقرة: 28] كأن الحياة تحتاج إلى إمداد من الخالق للمخلوق حتى يمكن أن تستمر، فلابد لكي تستمر الحياة أن يستمر الإمداد بالنعم، ولكن النعم تظل طوال فترة الحياة، وعند الموت تنتهي علاقة الإنسان بنعم الدنيا، ولذلك لابد أن يتنبه الإنسان إلى أن الأشياء مُسخَّرة له في الدنيا لتخدمه. وأن هذا التسخير ليس بقدرات أحد، ولكن بقدرة الله سبحانه وتعالى. والإنسان لا يدري كيف تم الخلق، ولا ما هي مراحله إلا أن يخبرنا الله سبحانه وتعالى بها. فهو جل جلاله يقول:مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [الكهف: 51]. وما داموا لم يشهدوا خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم، فلا بد أن نأخذ ذلك عن الله ما ينبئنا به الله عن خلق السماوات والأرض وعن خلقنا هو الحقيقة، وما يأتينا عن غير الله سبحانه وتعالى فهو ضلال وزيف، ونحن الآن نجد بحوثاً كثيرة عن كيفية السماوات والأرض وخلق الإنسان، وكلها لن تصل إلى حقيقة، بل ستظل نظريات بلا دليل. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى:وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [الكهف: 51]. أي: أن هناك مَنْ سيأتي ويضل، ويقول: هكذا تم خلق السماوات والأرض، وهكذا خلق الإنسان، هؤلاء المضلون الذين جاءوا بأشياء هي من علم الله وحده، جاءوا تثبيتاً لمنهج الإيمان، فلو لم يأت هؤلاء المضلون، ولو لم يقولوا: خُلِقت الأرض بطريقة كذا، والسماء بطريقة كذا، لقلنا: إن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه العزيز أن هناك مَنْ سيأتي ويُضِلّ في خلق الكون وخلق الإنسان، ولكن كونهم أتوا فهذا دليل على صدق القرآن الذي أنبأنا بمجيئهم قبل أن يأتوا بقرون. والاستفادة من الشيء لا تقتضي معرفة أسراره.. فنحن مثلاً نستخدم الكهرباء مع أننا لا نعرف ما هي؟ وكذلك نعيش على الأرض ونستفيد بكل ظواهرها وكل ما سخره الله لنا. وعدم علمنا بسر الخلق والإيجاد لا يحرمنا هذه الفائدة، فهو علم لا ينفع وجهل لا يضر. والكون مسخر لخدمة الإنسان، والتسخير معناه التذليل، ولا تتمرد ظواهر الكون على الإنسان. وإذا كانت هناك ظواهر في الكون تتمرد بقَدَر الله، مثل الفيضانات والبراكين والكوارث الطبيعية، نقول: إن ذلك يحدث ليلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى أن كل ما في الكون لا يخدمنا بذاتنا، ولا بسيطرتنا عليه، وإنما يخدمنا بأمر الله له، وإلا لو كانت المخلوقات تخدمك بذاتك.

السابقالتالي
2 3 4