الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } لما بيّن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في رؤياه واطمأنت نفوس المؤمنين أعقب ذلك بتنويه شأن الرسول صلى الله عليه وسلم والثناء على المؤمنين الذين معه. و { محمد } خبر مبتدأ محذوف، تقديره هو محمد يعود هذا الضمير المحذوف على قولهرسوله } الفتح 28 في الآية قبلها. وهذا من حذف المسند الذي وصفه السكاكي " بالحذف الذي الاستعمال وارد على ترك المسند إليه وترك نظائره ". قال التفتازاني في «المطول» «ومنه قولهم بعد أن يذكروا رجلاً فتى من شأنه كذا وكذا، وهو أن يذكروا الديار أو المنازل ربع كذا وكذا». ومن أمثلة «المفتاح» لذاك قوله فراجعهما أي العقل السليم والطبع المستقيم في مثل قوله
سأشكر عمراً إن تراخَتْ منيتي أياديَ لم تُمنن وإنْ هيَ جلّت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت   
إذ لم يقل هو فتى. وهذا المعنى هو الأظهر هنا إذ ليس المقصود إفادة أن محمداً رسول الله وإنما المقصود بيان رسول الله من هو بعد أن أجرى عليه من الأخبار من قولهلقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } الفتح 27 إلى قولهليظهره على الدين كله } الفتح 28 فيعتبر السامع كالمشتاق إلى بيان مَنْ هذا المتحدث عنه بهذه الأخبار؟ فيقال له محمد رسول الله، أي هو محمد رسول الله. وهذا من العناية والاهتمام بذكر مناقبه صلى الله عليه وسلم. فتعتبر الجملةُ المحذوفُ مبتدؤها مستأنفةً استئنافاً بيانياً. وفيه وجوه أخر لا تخفى، والأحسن منها هذا. وفي هذا نداء على إبطال جحود المشركين رسالته حين امتنعوا من أن يكتب في صحيفة الصلح «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. وقالوا لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت». وقوله { والذين معه } يجوز أن يكون مبتدأ و { أشداء } خبراً عنه وما بعده إخبار. والمقصود الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى { معه } المصاحَبة الكاملة بالطاعة والتأييد كقوله تعالى { وقال الله إني معكم }. والمراد أصحابه كلهم لا خصوص أهل الحديبية. وإن كانوا هم المقصود ابتداء فقد عُرفوا بصدق ما عاهدوا عليه الله، ولذلك لما انهزم المسلمون يوم حنين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب نادِ يا أصل السَّمُرة. ويجوز أن يكون { والذين معه } عطفاً على { رسولَه } من قولههو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } التوبة 33. والتقدير وأرسل الذين معه، أي أصحابه على أن المراد بالإرسال ما يشمل الإذن لهم بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6