الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

قوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ } أي إذا صليت فأكثر من ذلك. وقيل: معنى سبح: صَلّ عن ابن عباس. «بِحَمْدِ ربك» أي حامداً له على ما آتاك من الظفر والفتح. «واسْتَغْفِرْهُ» أي سلِ الله الغفران. وقيل: «فسبح» المراد به: التنزيه أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له. «واسْتَغْفِرْه» أي سَلِ الله الغفران مع مداومة الذكر. والأوّل أظهر. روى الأئمة واللفظ للبخاريّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه سورة { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } إلا يقول: «سُبْحانَكَ رَبَّنا وبِحَمْدك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي» " وعنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سُبحانكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمدِك، اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي» " يتأوّل القرآن. وفي غير الصحيح: وقالت أمّ سَلَمة: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال: " سُبْحانَ اللَّهِ وبحمدِهِ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إليه ـ قال ـ فإنّي أُمِرت بها ـ ثم قرأ { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } " إلى آخرها. وقال أبو هريرة: اجتهدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد نزولها، حتى تَوَرَّمت قدماه، ونَحَل جسمه، وقل تبسمه، وكثر بكاؤه. وقال عِكرمة: لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ أشد اجتهاداً في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها. وقال مقاتل: " لما نزلت قرأها النبيّ صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ومنهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص، ففرِحوا واستبشروا، وبكى العباس فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما يُبْكيكَ يا عَمُّ؟» قال: نُعِيَتْ إليكَ نَفْسُك. قال: «إنه لكما تقول» " فعاش بعدها ستين يوماً، ما رُئِي فيها ضاحكاً مستبشراً. وقيل: نزلت في مِنًى بعد أيام التشريق، في حِجة الوداع، فبكى عُمر والعباس، فقيل لهما: إن هذا يوم فرح، فقالا: بل فيه نَعْي النبيّ صلى الله عليه وسلم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " صَدَقتما، نُعِيت إليّ نفسي " وفي البخاريّ وغيره عن ابن عباس قال: كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدر، ويأذن لي معهم. قال: فوجِد بعضهم من ذلك، فقالوا: يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله! فقال لهم عمر: إنه من قد علمتم. قال: فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن هذه السورة { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } فقالوا: أمر الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره، وأن يتوب إليه.

السابقالتالي
2