يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن، ويسر حفظه وفهمه على من رحمه، فقال تعالى { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ ٱلْقُرْءَانَ خَلَقَ ٱلإِنسَـٰنَ عَلَّمَهُ ٱلبَيَانَ } قال الحسن يعني النطق، وقال الضحاك وقتادة وغيرهما يعني الخير والشر، وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن، وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق، وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها. وقوله تعالى { ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } أي يجريان متعاقبين بحساب مقنن، لا يختلف ولا يضطرب{ لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } يس 40 وقال تعالى{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } الأنعام 96. وعن عكرمة أنه قال لو جعل الله نور جميع أبصار الإنس والجن والدواب والطير في عيني عبد، ثم كشف حجاباً واحداً من سبعين حجاباً دون الشمس، لما استطاع أن ينظر إليها. ونور الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، ونور الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، ونور العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الستر. فانظر ماذا أعطى الله عبده من النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عياناً، رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } قال ابن جرير اختلف المفسرون في معنى قوله والنجم، بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق، فروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النجم ما انبسط على وجه الأرض، يعني من النبات، وكذا قال سعيد بن جبير والسدي وسفيان الثوري، وقد اختاره ابن جرير رحمه الله تعالى. وقال مجاهد النجم الذي في السماء. وكذا قال الحسن وقتادة، وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم لقوله تعالى{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } الآية الحج 18. وقوله تعالى { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ } يعني العدل كما قال تعالى{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } الحديد 25 وهكذا قال ههنا { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ } أي خلق السموات والأرض بالحق والعدل لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل، ولهذا قال تعالى { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } أي لا تبخسوا الوزن، بل زنوا بالحق والقسط كما قال تعالى{ وَزِنُواْ بِٱلقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } الشعراء 182 وقوله تعالى { وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } أي كما رفع السماء، وضع الأرض ومهدها، وأرساها بالجبال الراسيات الشامخات لتستقر لما على وجهها من الأنام، وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم في سائر أقطارها وأرجائها.