الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } * { وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }

قوله تعالى: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } أي قاربن انقضاء العدّة كقوله تعالى:وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ } [البقرة:231] أي قربن من انقضاء الأجل. { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } يعني المراجعة بالمعروف أي بالرغبة من غير قصد المضارّة في الرجعة تطويلاً لعدّتها. كما تقدّم في «البقرة». { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } أي اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهن فيملكن أنفسهنّ. وفي قوله تعالى: { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } ما يوجب أن يكون القول قول المرأة في انقضاء العدّة إذا ادّعت ذلك، على ما بيّناه في سورة «البقرة» عند قوله تعالى:وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ } [البقرة:228] الآية. قوله تعالى: { وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } فيه ست مسائل: الأولى ـ: قوله تعالى: { وَأَشْهِدُواْ } أمْرٌ بالإشهاد على الطلاق. وقيل: على الرجعة. والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. فإن راجع من غير إشهاد ففي صحة الرجعة قولان للفقهاء. وقيل: المعنى وأشهدوا عند الرجعة والفُرْقة جميعاً. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله تعالى:وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ } [البقرة:282]. وعند الشافعي واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة. وفائدة الإشهاد ألاّ يقع بينهما التجاحد، وألاّ يُتَّهمَ في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدّعي الباقي ثبوت الزوجية لِيرِث. الثانية ـ: الإشهاد عند أكثر العلماء على الرجعة نَدْب. وإذا جامع أو قَبل أو باشر يريد بذلك الرجعة، وتكلّم بالرجعة يريد به الرجعة فهو مراجع عند مالك، وإن لم يرد بذلك الرجعة فليس بمراجع. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا قَبّل أو باشر أو لاَمَسَ بشهوة فهو رجعة. وقالوا: والنظر إلى الفَرْج رجعة. وقال الشافعي وأبو ثَوْر: إذا تكلّم بالرجعة فهو رجعة. وقد قيل: وَطْؤُه مراجعة على كل حال، نواها أو لم ينوها. وروي ذلك عن طائفة من أصحاب مالك. وإليه ذهب اللّيث. وكان مالك يقول: إذا وَطِىء ولم ينو الرجعة فهو وَطَءٌ فاسد ولا يعود لوطئها حتى يستبرئها من مائه الفاسد، وله الرجعة في بقية العِدة الأولى، وليس له رجعة في هذا الاستبراء. الثالثة ـ: أوجب الإشهاد في الرجعة أحمد بن حنبل في أحد قوليه، والشافعي كذلك لظاهر الأمر. وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في القول الآخر: إن الرجعة لا تفتقر إلى القبول، فلم تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق، وخصوصاً حلّ الظِّهار بالكفارة. قال ابن العربي: وركّب أصحاب الشافعي على وجوب الإشهاد في الرجعة أنه لايصح أن يقول: كنت راجعت أمس وأنا أشهد اليوم على الإقرار بالرجعة، ومن شرط الرجعة الإشهاد فلا تصح دونه. وهذا فاسد مبنيّ على أن الإشهاد في الرجعة تَعَبُّدٌ. ونحن لا نسلّم فيها ولا في النكاح بأن نقول: إنه موضع للتوثّق، وذلك موجود في الإقرار كما هو موجود في الإنشاء.

السابقالتالي
2 3 4