الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ } * { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } * { أَلا يَظُنُّ أُوْلَـٰئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ } * { لِيَوْمٍ عَظِيمٍ } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

التطفيف البخس في الكيل والوزن لأنّ ما يبخس شيء طفيف حقير. وروى 1275 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وكانوا من أخبث الناس كيلا، فنزلت فأحسنوا الكيل. وقيل قدمها وبها رجل يعرف بأبي جهينة ومعه صاعان بكيل بأحدهما ويكتال بالآخر. وقيل 1276 كان أهل المدينة تجاراً يطففون، وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة، فنزلت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم. وقال «خمس بخمس» قيل يا رسول الله، وما خمس بخمس؟ قال " ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر " وعن علي رضي الله عنه أنه مر برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له أقم الوزن بالقسط، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت. كأنه أمره بالتسوية أولا ليعتادها ويفصل الواجب من النفل. وعن ابن عباس إنكم معشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان وخص الأعاجم لأنهم يجمعون الكيل والوزن جميعاً وكانا مفرّقين في الحرمين كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون، وعن ابن عمر أنه كان يمر بالبائع فيقول له اتق الله وأوف الكيل، فإنّ المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمٰن حتى إن العرق ليلجمهم. وعن عكرمة أشهد أنّ كل كيال ووزان في النار. فقيل له إنّ ابنك كيال أو وزان فقال أشهد أنه في النار. وعن أبيّ رضي الله عنه لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن الموازين لما كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً يضرهم ويتحامل فيه عليهم أبدل «على» مكان «من» للدلالة على ذلك. ويجوز أن يتعلق «على» بيستوفون، ويقدم المفعول على الفعل لإفادة الخصوصية، أي يستوفون على الناس خاصة فأما أنفسهم فيستوفون لها وقال الفراء «من» و«على» يعتقبان في هذا الموضع، لأنه حق عليه فإذا قال اكتلت عليك، فكأنه قال أخذت ما عليك وإذا قال اكتلت منك، فكقوله استوفيت منك. والضمير في { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ضمير منصور راجع إلى الناس. وفيه وجهان أن يراد كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذف الجار وأوصل الفعل، كما قال
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أَكْمُؤاً وَعَسَاقِلاً وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ نَبَاتِ الأوْبَرِ   
والحريص يصيدك إلا الجواد، بمعنى جنيت لك، ويصيد لك، وأن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف هو المكيل أو الموزون، ولا يصح أن يكون ضميراً مرفوعاً للمطففين، لأنّ الكلام يخرج به إلى نظم فاسد وذلك أنّ المعنى إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا أعطوهم أخسروا وإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك إذا أخذوا من الناس استوفوا، وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا، وهو كلام متنافر لأنّ الحديث واقع في الفعل لا في المباشر، والتعلق في إبطاله بخط المصحف، وأنّ الألف التي تكتب بعد واو الجمع غير ثابتة فيه ركيك لأنّ خط المصحف لم يراع في كثير منه حدّ المصطلح عليه في علم الخط، على أني رأيت في الكتب المخطوطة بأيدي الأئمة المتقنين هذه الألف مرفوضة لكونها غير ثابتة في اللفظ والمعنى جميعاً لأن الواو وحدها معطية معنى الجمع، وإنما كتبت هذه الألف تفرقة بين واو الجمع وغيرها في نحو قولك هم لم يدعوا، وهو يدعو فمن لم يثبتها قال المعنى كاف في التفرقة بينهما.

السابقالتالي
2