الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } * { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } * { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ }

قوله: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } ، قرأ الحسن وابن محيصن، وطلحة، والزعفراني: " أنْطَيْنَاكَ " بالنون. قال الرازي، والتبريزي: أبدل من العين نوناً.

فإن عنينا البدل الصناعي فليس بمسلَّم، لأن كل مادة مستقلة بنفسها، بدليل كمال تصريفها، وإن عنينا بالبدل: أن هذه وقعت موقع هذه لغة، فقريب، ولا شكَّ أنها لغة ثابتة.

قال التبريزي: هي لغة العربِ العاربةِ من أولى قريش.

وفي الحديث: " اليَدُ العُلْيَا المُنطِيةُ، واليَدُ السُّفلَى المُنطَاةُ ".

وقال الشاعر وهو الأعشى: [المتقارب]
5324- جِيـادُكَ خَيْـرُ جِيـادِ المُلـوكِ   تُصَانُ الجِلالَ وتُنْطَـى الحُلُـولاَ
قال القرطبي: " وروته أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة، وهي لغة في العطاء أنطيته: أعطيته ".

والكوثر: " فَوْعَل " ، من الكثرةِ، وصف مبالغة في المفرط الكثرة، مثل النوفل من النَّفل، والجوهر من الجهر، والعرب تسمي كل شيءٍ كثيراً في العدد، والقدر، والخطر: كوثراً؛ قال: [الطويل]
5325- وأنْتَ كَثيرٌ يَا ابْنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ   وكَانَ أبُوكَ ابْنَ العقَائِلِ كَوثَرا
قيل لعجوز رجع ابنها من السَّفر: بم آب ابنك؟.

قالت: آب بكوثر، أي: بمال كثير.

والكوثر من الغبار الكثير، وقد تكوثر إذا كثر؛ وقال الشاعر:
5326- وقَدْ ثَارَ نَقْعُ المَوْتِ حتَّى تَكْوثَرَا   
فصل في المراد بالكوثر

اختلفوا في الكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: نهر في الجنة رواه البخاري وغيره.

وروى الترمذي عن ابن عمران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الكَوْثَرُ: نهرٌ فِي الجنَّةِ، حَافتَاهُ مِنْ ذهَبٍ، ومَجْراهُ عَلى الدُّرّ والياقوت، تُربتُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وماؤه أحْلَى مِنَ العَسلِ، وأبْيَضُ مِنَ الثّلْجِ ".

وقال عطاء: هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف وفيه أحاديث كثيرة.

وقال عكرمة: الكوثر: النبوة، والكتاب.

وقال الحسن: هوالقرآن. وقال ابن المغيرة: الإسلام.

وقال ابن كيسان: هو الإيثار.

وقال الحسن بن الفضل: هو تيسير القرآن، وتخفيف الشرائع. وقال أبو بكر بن عياش ويمان بن رئاب هو كثرة الأصحاب والأتباع والأمة.

وحكى الماورديُّ: أنه رفعة الذكر.

وقيل: [الشفاعة: وقال هلال بن يساف: هو لا إله إلا الله محمد رسول الله.

وقيل: الصلوات الخمس.

وقيل الفقه في الدين.

وقيل غير ذلك].

قال القرطبيُّ: وأصح الأقوال: الأول، والثاني؛ لأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصًّا في الكوثر.

فصل في الكلام على هذه السورة

قال ابنُ الخطيب: هذه السورة كالمقابلة للتي قبلها، فإنه ذكر في الأول البُخل، وترك الصلاة، والرياء، ومنع الماعون، وذكر هنا في مقابلة البخل: { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } وفي مقابلة ترك الصلاة: قوله: " فَصلِّ " أي: دُمْ على الصلاة، وفي مقابلة الرياء قوله تعالى: { لِرَبِّكَ } أي: لرضاه خالصاً، وفي مقابلة منع الماعون قوله: " وانْحَرْ " ، أي: تصدَّق بلحم الأضاحي، ثم ختم السُّورة سبحانه وتعالى بقوله: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } ، أي: أنَّ المنافق الذي أتى بتلك الأفعال القبيحة سَيمُوتُ ولا يبقى له أثر، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل، في الآخرة الثواب الجزيل.

السابقالتالي
2 3 4 5