الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ }

قوله تعالى: { وإِن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } اختلفوا في تنزيلها، وتأويلها على ستة أقوال.

أحدها: أن القوم كانوا يتزوجون عدداً كثيراً من النساء في الجاهلية، ولا يتحرّجون من ترك العدل بينهن، وكانوا يتحرّجون في شأن اليتامى، فقيل لهم بهذه الآية: احذروا من ترك العدل بين النساء، كما تحذرون من تركه في اليتامى، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير والضحاك، وقتادة، والسدي، ومقاتل.

والثاني: أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى، فلما كثر النساء، مالوا على أموال اليتامى، فَقُصِروا على الأربع حفظاً لأموال اليتامى. وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضاً، وعكرمة.

والثالث: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في صدقات اليتامى إذا نكحتموهن، فانكحوا سواهن من الغرائب اللواتي أحلَّ الله لكم، وهذا المعنى مروي عن عائشة.

والرابع: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في نكاحهن، وحذرتم سوء الصحبة لهن، وقلة الرغبة فيهن، فانكحوا غيرهن، وهذا المعنى مروي عن عائشة أيضا، والحسن.

والخامس: أنهم كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى، فأمِروا بالتحرّج من الزنى أيضا، ونُدبوا إلى النكاح الحلال، وهذا المعنى مروي عن مجاهد.

والسادس: أنهم تحرجوا من نكاح اليتامى، كما تحرجوا من أموالهم، فرخّص الله لهم بهذه الآية، وقصرهم على عدد يمكن العدل فيه، فكأنه قال: وإِن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن، فانكحوهن، ولا تزيدوا على أربع لتعدلوا، فإن خفتم أن لا تعدلوا فيهن، فواحدة، وهذا المعنى مروي عن الحسن.

قال ابن قتيبة: ومعنى قوله: وإن خفتم، أي [فإن] علمتم أنكم لا تعدلون، [بين اليتامى] يقال: أقسط الرجل: إذا عدل [ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة] " و[يقال:] قسط الرجل: إذا جار [ومنه قول الله: { وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا } ] وفي معنى العدل في اليتامى قولان.

أحدهما: في نكاح اليتامى، والثاني: في أموالهم.

قوله تعالى: { فانكحوا ما طاب لكم } أي: ما حل لكم.

قال ابن جرير: وأراد بقوله: ما طاب لكم، الفعل دون أعيان النساء، ولذلك قال: «ما» ولم يقل: «من» واختلفوا: هل النكاح من اليتامى، أو من غيرهن؟ على قولين قد سبقا.

قوله تعالى: { مثنى وثلاث ورباع }.

قال الزجاج: هو بدل من «ما طاب لكم» ومعناه: اثنتين اثنتين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، وإِنما خاطب الله العرب بأفصح اللغات، وليس من شأن البليغ أن يعبّر في العدد عن التسعة باثنتين، وثلاث، وأربع، لأن التسعة قد وضعت لهذا العدد، فيكون عِيَّاً في الكلام.

السابقالتالي
2