فصل في نزولها روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكِّيَّة. وبه قال الحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والجمهور. وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: فيها آية مدنيَّة، وهي قوله:{ قُلْ أرأيتثم إِن كان مِنْ عِنْدِ اللهِ } [الأحقاف: 10] وقال مقاتل: نزلت بمكة غير آيتين: قوله{ قُلْ أرأيتثم إِن كان مِنْ عِنْدِ اللهِ } [الأحقاف: 10] وقوله:{ فاصْبِرْ كما صَبَرَ أُولُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [الأحقاف: 35] نزلتا بالمدينة. وقد تقدم تفسير فاتحتها [المؤمن] [الحجر: 85] إلى قوله: { وأجَلٍ مُسَمَّىً } وهو أجَل فَناء السموات والأرض، وهو يوم القيامة. قوله تعالى: { قل أرأيتم } مفسَّر في [فاطر: 40] إلى قوله: { إِيتوني بكتاب } ، وفي الآية اختصار، تقديره: فإن ادَّعَواْ أن شيئاً من المخلوقات صنعةُ آلهتهم، فقل لهم: إيتوني بكتاب { مِنْ قَبْلِ هذا } أي: مِنْ قَبْلِ القرآن فيه برهانُ ما تدَّعون من أن الأصنام شركاءُ الله، { أو أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ } وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الشيء يثيره مستخرجه، قاله الحسن. والثاني: بقيَّة مِنْ عِلْمٍ تُؤثَر عن الأوَّلِين، قاله ابن قتيبة. وإِلى نحوه ذهب الفراء، وأبو عبيدة. والثالث: علامة مِنْ عِلْم، قاله الزجاج. وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين، وأيوب السختياني، ويعقوب: " أثَرَةٍ " بفتح الثاء، مثل شجرة. ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الخَطُّ، قاله ابن عباس؛ وقال هو خَط كانت العرب تخُطُّه في الأرض، قال أبو بكر بن عيّاش: الخَطُّ هو العِيافة. والثاني: أو عِلْم تأثُرونه عن غيركم، قاله مجاهد. والثالث: خاصَّة مِنْ عِلْم، قاله قتادة. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن يعمر: { أثْرَةٍ } بسكون الثاء من غير ألف بوزن نَظْرَةٍ. وقال الفراء: قرئت " أثارةٍ " و " أثَرَةٍ " ، وهي لغات، ومعنى الكل: بقيَّة مِنْ عِلْم، ويقال: أو شيء مأثور من كتب الأولين، فمن قرأ " أثارةٍ " فهو المصدر، مثل قولك: السماحة والشجاعة، ومن قرأ " أثَرَةٍ " فإنه بناه على الأثَر، كما قيل: قَتَرة، ومن قرأ " أثْرَةٍ " فكأنه أراد مثل قوله: الخَطْفَة " [الصافات: 10] و " الرَّجْفَة " [الأعراف: 78]. وقال اليزيدي: الأثارة: البقيَّة؛ والأثَرَة، مصدر أثَرَه يأثُرُه، أي: يذكُره ويَرويه، ومنه حديثٌ مأثور.