الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } وهي ما فارقه الروح بغير سبب خارجيّ. لأنها تنجست بمفارقته من غير مطهر، من ذكر اسم الله تحقيقاً أو تقديراً، كإسلام الذابح، كذا في (التبصير). وقد خص من (الميتة) السمك بالسّنة: فإنه حلال، مات بتذكية أو غيرها؛ لما رواه مالك في موطئه، والشافعيّ وأحمد في مسنديهما، وأبو داود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه في سننهم، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر؟ فقال: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " ، وهكذا الجراد، لما سيأتي. قال الرازيّ: تحريم الميتة موافق لما في العقول، لأن الدم جوهر لطيف جداً، فإذا مات الحيوان حتف أنفه احتبس الدم في عروقه، وتعفن وفسد، وحصل من أكله مضار عظيمة. انتهى.

أخرج ابن منده في كتاب (الصحابة) من طريق عبد الله بن جبلة بن حبان بن حجر عن أبيه عن جده حبان قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أوقد تحت قدر فيها لحم ميتة، فأنزل تحريم الميتة فأكفأت القدر.

{ وَٱلْدَّمُ } أي: المسفوح منه، لقوله تعالى في الأنعام:أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } [الأنعام: 145]. وقد روى ابن أبي حاتم عن عِكْرِمَة عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال؟ فقال: كلوه. فقالوا: إنه دم. فقال: إنما حرم عليكم الدم المسفوح. وكذا رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة قالت: إنما نهي عن الدم السافح.

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ: حدثنا عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال " وكذا رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وهو ضعيف. قال الحافظ البيهقيّ: ورواه إسماعيل بن أبي إدريس، عن أسامة، وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، مرفوعاً. قال الحافظ ابن كثير: وثلاثتهم كلهم ضعفاء. ولكن بعضهم أصلح من بعض. وقد رواه سليمان بن بلال، أحد الأثبات، عن زيد بن أسلم عن ابن عمر، فوقفه بعضهم عليه. قال الحافظ أبو زرعة الرازيّ: وهو أصح. نقله ابن كثير.

أقول: أقوى مما ذكر في الحجة، ما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن أبي أوفى قال: " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. وفيهما أيضاً من حديث جابر؛ إن البحر ألقى حوتاً ميتاً فأكل منه الجيش، فلما قدموا قالوا للنبيَّ صلى الله عليه وسلم. فقال: " كلوا رزقاً أخرج الله لكم، أطعمونا منه إن كان معكم ". فأتاه بعضهم بشيء "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد