الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }

قولهُ تعالى: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ }؛ تعجُّبٌ وتعظيمٌ لحرمَتها؛ أي ما أعلمكَ يا مُحَمَّدُ ما شرفُ هذه الليلةِ لولا أنَّ اللهَ أعلمَكَ بذلك، { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ }؛ أي العملُ فيها خيرٌ من العملِ في ألفِ شهر، وعلى هذا قالُوا: إنَّ مَنْ صلَّى فيها رَكعتين كان له ثوابُ من صلَّى ليالي ألفَ شهرٍ ركعَتين، بل ثوابُ هاتَين الركعتين أكثرُ من ثواب تلك الصلاةِ كلِّها.

وسببُ نزول هذه السورة: " أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكرَ يوماً لأصحابهِ: " أنَّ أرْبَعَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَهُمْ: أيُّوبُ وَزَكَرِيَّا وحِزْقِيلُ ويُوشُعُ بْنُ نُونٍ عَبَدُوا اللهَ ثَمَانِينَ سَنَةً لَمْ يَعْصُوهُ فِيهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ " ، فتعجَّبَ أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم من ذلك، فأتَى جبريلُ فقالَ له: عجِبَتْ أُمَّتُكَ من عبادةِ هؤلاء النَّفر ثمانين سَنة لم يعصُوا اللهَ فيها طرفةَ عينٍ، فقد أنزلَ الله عليكَ خيراً منه، ثم قرأ { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ... } إلى آخرِها، وقالَ: هذا أفضلُ مما عجِبتَ منه أنتَ وأُمَّتك، فسُرَّتِ الصحابةُ بذلك ".

ورُوي: " أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ حَمَلَ السِّلاَحَ عَلَى عَاتقهِ في سبيلِ الله ألفَ شهرٍ، فعجبَ المسلمون من ذلك عَجباً شَديداً، وتَمنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ يكون مثلُهُ في أُمَّته، فأعطاهُ الله ليلةَ القدر.

واختلَفُوا في وقتِها؛ فقال بعضُهم: كانتْ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رُفعت، والصحيحُ: أنَّها لم تُرفع وأنَّها إلى يومِ القيامة، لِمَا رُوي عنِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قِيْلَ: لَهُ: هَلْ رُفِعَتْ لَيْلَةُ الْقَدْر؟ فَقَالَ: " بَلْ هِيَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " عن عبدِالله بن حسن قالَ: قلتُ لأبي هريرةَ رضي الله عنه: زعَمُوا أنَّ ليلةَ القدر قد رُفعت، قال: ((كَذبَ مَنْ قَالَ)) قُلْتُ: أهيَ كلَّ شهرِ رمضان؟ قال: ((نَعَمْ)).

وقال بعضُهم: هي في ليالِي السَّنة كلِّها، وأنَّ مَن علَّقَ طلاقَ امرأتهِ أو عتقَ عبدهِ بليلة القدر لم يقع شيءٌ من ذلك إلى مُضي سَنة من يومِ حلفهِ. والجمهورُ من العلماءِ: أنَّها في شهرِ رمضان في كلِّ عامٍ. وسُئل الحسنُ عن ليلةِ القدر فقالَ: ((وَاللهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ؛ إنَّهَا فِي كُلِّ رَمَََضَانَ)).

واختلَفُوا في أيِّ ليلةٍ هي، فقال أبو رَزين العُقَيلي: ((هِيَ أوَّلُ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ))، وقالَ الحسنُ: ((هِيَ ليْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَتْ صَبيحَةَ وَقْعَةِ بَدْرٍ)).

والصحيحُ: أنَّها في العشرِ الأواخر من رَمضان، وقال أبو سعيدٍ الخدري: ((هِيَ لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ))، وعن أُبَيِّ بن كعبٍ قالَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ:

السابقالتالي
2