الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

الإعراب: مفعول جاء محذوف والتقدير إذا جاءك نصر الله وجواب إذا محذوف والتقدير إذا جاء نصر الله حضر أجلك. وقيل: جوابه الفاء في قوله { فسبح } { وأفواجاً } منصوب على الحال. المعنى: { إذا جاء } يا محمد { نصر الله } على من عاداك وهم قريش { والفتح } فتح مكة وهذه بشارة من الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر { ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً } أي جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة والمراد بالدين الإسلام والتزام أحكامه واعتقاد صحته وتوطين النفس على العمل به قال الحسن: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد صلى الله عليه وسلم بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان أي طاقة فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً أو اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام. وقيل: في دين الله أي في طاعة الله وطاعتك وأصل الدين الجزاء ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء كما قال سبحانه في دين الملك أي في طاعته. { فسبّح بحمد ربك واستغفره } هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزّهه عما لا يليق به من صفات النقص وأن يستغفره ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها وهو شكر المنعم وتعظيمه والائتمار بأوامره والانتهاء عن معاصيه فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار وإن لم يكن ثَمَّ ذنب فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله عز وجل. { إنه كان تواباً } يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى قال مقاتل: " لما نزلت هذه السورة قرأها صلى الله عليه وسلم على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال صلى الله عليه وسلم: " ما يبكيك يا عم " فقال: أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال: " إنه لكما " " تقول فعاش بعدها سنتين ما رئي فيهما ضاحكاً مستبشراً قال وهذه السورة تسمى سورة التوديع وقال ابن عباس: لما نزلت إذا جاء نصر الله قال نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة واختلف في أنهم من أيّ وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي فقيل لأن التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذٍ لاحق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل وعند الكمال يرقب الزوال كما قيل:
إذا تَــمَّ أَمْــرٌ بَــدا نـَقْـصُــهُ   تَــوَقَّـعْ زَوالاً إذا قيـــلَ تَـــمَّ
وقيـــل لأنــه سبحانــه أمــره بتجديــــد التوحيـــد واستدراك الفائت بالاستغفار وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار وعن عبد الله بن مسعود قال

السابقالتالي
2 3 4 5 6