الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

الواوات الثلاثة للجمعية، لكن الأولىٰ للدلالة على أنه تعالى مجمع صفتي التقدم والتأخر، والثالثة للدلالة على أنه مجمع الظهور والبطون، والوسطى للدلالة على أنه الجامع بين ذينك المجموعين - مجموع الأوليّة والآخرية، ومجموع الجلاء والخفاء -.

وعن عبد العزيز: إن الواوات مقحمة، والمعنى: هو الأوّل الآخر الظاهر الباطن. لأن من كان منّا أولاً لا يكون آخراً، ومن كان ظاهراً لا يكون باطناً، وهذا يلائم القول بأن أوّليته عينُ آخريّته، وظاهريّته عينُ باطنيّته.

وعن ابن عباس: الأول قبل كل شيء بلا ابتداء، والآخر بعد فناء كل شيء بلا انتهاء، فهو الكائن لم يزل، والباقي لا يزال، والظاهر: الغالب العالي على كل شيء فكل شيء دونه. والباطن: العالم بكل شيء، فلا أحد أعلم منه.

وتوجيه هذا المنقول - وإن كان فيه عدول عن الظاهر المفهوم - أنه مأخوذ من بَطَنَ الشيء بمعنى علم باطنه، ولهذا أردف بقوله: { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ، لأن العالم بوجوه الشيء عالم بما سواه.

وعن الضحّاك: هو الذي أوّل الأوائل وأخّر الأواخر، وأظهر الظاهر وأبطن الباطن.

وقال البلخي: هو كقول القائل " فلان أول هذا الأمر وآخره وظاهره وباطنه " أي: عليه يدور الأمر وبه يتم.

وقيل: هو المستمر الوجود في جميع الأزمنة الماضية والآتية، الظاهر في جميعها بالأدلة والشواهد، الباطن عن إدراك الحواسّ والمشاعر الجليّة، فيكون حجة على من جوّز رؤيته تعالى في الآخرة بهذه الحاسة.

وقيل: إن الأول والآخر صفة الزمان بالذات، والظاهر والباطن صفة المكان كذلك، والحق تعالى وسع المكان ظاهراً وباطناً، ووسع الزمان أولاً وآخراً، وهو منزّه عن الافتقار إلى المكان والزمان، فإنه كان ولا مكان ولا زمان.

مكاشفة

الأوّلية: قد تكون بمعنى كون الشيء فاعلاً، والآخرية بمعنى كونه غاية مترتبة على وجود الفعل في العين - وإن كانت الغاية بحسب وجوده في العلم متقدمة أيضاً -، فالله سبحانه أول كل شيء، بمعنى أن وجوده حصل منه، وبمعنى أن الغرض في حصول ذلك الشيء منه هو علمه بالمصلحة، وكونه تماماً في الجود والرحمة فيّاضاً على الأشياء بلا عِوَض، وآخر كل شيء، بمعنى أن الغاية التي تطلبه الأشياء وتقصده طبعاً وارادة.

والعُرَفاء المتألّهون، حكموا بسريان نور المحبة له والشوق إليه في جميع المخلوقات - على تفاوت طبقاتهم -، فالكائنات السفلية كالمبدعات العلوية على اقتراف شوق من هذا البحر الخضيم، واعتراف شاهد مقر بوحدانية الحق العليم:وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [البقرة:148]، فهو الحق الأول الذي منه ابتدأ أمر العالم، وهو الآخر الذي إليه ينساق وجود الأشياء سيّما بني آدم، إذ منه صدر الوجود، ولأجله وقع الكون.

وهو الآخر أيضاً بالإضافة إلى سير المسافرين إليه، فإنهم لا يزالون مترقّين من رتبة إلى رتبة حتى يقع الرجوع إلى تلك الحضرة بفنائهم عن ذاتهم وهويّتهم، واندكاك جَبَل وجودهم وآنيّتهم، فهو أول في الوجود وآخر في المشاهدة، والله - عزّ اسمه - حيث أنبأ عن غاية وجود العالم قال:

السابقالتالي
2 3