الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ }

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيا لها من صفقة ما أربحها ومنفعة جامعة للخير ما أوضحها والمراد بالموصول كل من اتصف بعنوان الصلة لا علي كرم الله تعالى وجهه وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فقط كما يتوهم من اقتصار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الذكر عليهما بل هما داخلان في ذلك دخولاً أولياً ومثل ذلك اقتصاره في الإنسان الخاسر على أبـي جهل وهو ظاهر. وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم وقوله تعالى: { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ } الخ بيان لتكميلهم / لغيرهم أي وصى بعضهم بعضاً بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الإيمان بالله عز وجل واتباع كتبه ورسله عليهم السلام في كل عقد وعمل.

{ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى ما يبتلي الله تعالى به عباده من المصائب. والصبر المذكور داخل في (الحق) وذكر بعده مع إعادة الجار والفعل المتعلق هو به لإبراز كمال العناية به ويجوز أن يكون الأول عبارة رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضي الله تعالى والثاني عبارة عن رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله تعالى فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه عز وجل بالجميل والرضا به باطناً وظاهراً.

وقرأ سلام وهٰرون وابن موسى عن أبـي عمرو (والعصر) بكسر الصاد و(الصبر) بكسر الباء قال ابن عطية وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة وروي عن أبـي عمرو (بالصبر) بكسر الباء إشماماً وهذا كما قال لا يكون أيضاً إلا في الوقف وقال صاحب «اللوامح» قرأ عيسى البصرة (بالصبر) بنقل حركة الراء إلى الباء لئلا يحتاج إلى أن يؤتى ببعض الحركة في الوقف ولا إلى أن يسكن فيجمع بين ساكنين وذلك لغة شائعة وليست بشاذة بل مستفيضة وذلك دلالة على الإعراب وانفصال من التقاء الساكنين وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى ومن هذا كما في «البحر» قوله:
أنا جرير كنيتي أبو عمرو   اضرب بالسيف وسعد في العصر
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يقرأ (والعصر ونوائب الدهر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر) وأخرج عبد بن حميد وابن أبـي داود في «المصاحف» عن ميمون بن مهران أنه قرأ (والعصر إن الإنسان لفي خسر وإنه لفيه إلى آخر الدهر إلا الذين آمنوا) الخ وذكر أنها قراءة ابن مسعود.

السابقالتالي
2