الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ }

قوله تعالى: { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى }.

صيغة الجمع في قوله: خلقنا للتعظيم.

وقوله: إلا بالحق أي خلقا ملتبساً بالحق.

والحق ضد الباطل، ومعنى كون خلقه للسماوات والأرض متلبساً بالحق أنه خلقهما لحكم باهر، ولم يخلقهما باطلاً، ولا عبثاً، ولا لعباً، فمن الحق الذي كان خلقهما متلبساً به، إقامة البرهان، على أنه هو الواحد المعبود وحده جل وعلا، كما أوضح ذلك في آيات كثيرة لا تكاد تحصيها في المصحف الكريم كقوله تعالى في البقرةوَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } [البقرة: 163] ثم أقام البرهان على أنه هو الإله الواحد بقوله بعده:إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164].

فتلبس خلقه للسماوات والأرض بالحق واضح جداً، من قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُون } [البقرة: 164] بعد قولهوَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [البقرة: 163] لأن إقامة البرهان القاطع على صحة معنى لا إله إلا الله هو أعظم الحق.

وكقوله تعالى:يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 21]ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 22]، لأن قوله { ٱعْبُدُواْ رَبَّكُم } فيه معنى الإثبات من لا إله إلا الله.

وقوله { فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يتضمن معنى النفي منها على أكمل وجه وأتمه.

وقد أقام الله جل وعلا البرهان القاطع، على صحة معنى لا إله إلا الله، نفياً وإثباتاً، بخلقه للسماوات والأرض، وما بينهما في قولهٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } [البقرة: 21-22 } الآية.

وبذلك تعلم أنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا خلقاً متلبساً بأعظم الحق، الذي هو إقامة البرهان القاطع، على توحيده جل وعلا، ومن كثرة الآيات القرآنية، الدالة على إقامة هذا البرهان، القاطع المذكور، على توحيده جل وعلا، علم من استقراء القرآن، أن العلامة الفارقة من يستحق العبادة، وبين من لا يستحقها، هي كونه خالقاً لغيره، فمن كان خالقاً لغيره، فهو المعبود بحق، ومن كان لا يقدر على خلق شيء، فهو مخلوق محتاج، لا يصح أن يعبد بحال.

فالآيات الدالة على ذلك كثيرة جداً كقوله تعالى في آية البقرة المذكورة آنفاً:يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }

السابقالتالي
2 3 4