الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } * { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ } * { وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٱقِعٌ }

أكثر أهل العلم، على أن المراد بالذاريات الرياح. وهو الحق إن شاء الله، ويدل عليه أن الذرو صفة مشهورة من صفات الرياح.

ومنه قوله تعالىفَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ } [الكهف: 45]، ومعنى تذروه: ترفعه وتفرقه، فهي تذرو التراب والمطر وغيرهما، ومنه قول ذي الرمة:
ومنهل آجن قفر محاضره   تذرو الرياح على جماته البعرا
ولا يخفى سقوط قول من قال: إن الذاريات النساء.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } أكثر أهل العلم على أن المراد بالحاملات وقراً: السحاب. أي المزن تحمل وقراً ثقلاً من الماء.

ويدل لهذا القول تصريح الله جل وعلا بوصف السحاب بالثقال، وهو جمع ثقيلة، وذلك لثقل السحابة بوقر الماء الذي تحمله كقوله تعالىوَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [الرعد: 12]، وهو جمع سحابة ثقيلة، وقوله تعالىحَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } [الأعراف: 57].

وقال بعضهم: المراد بالحاملات وقراً: السفن تحمل الأثقال من الناس وأمتعتهم، ولو قال قائل: إن الحاملات وقراً الرياح أيضاً كان وجهه ظاهراً.

ودلالة بعض الآيات عليه واضحة، لأن الله تعالى صرح بأن الرياح تحمل السحاب الثقال بالماء، وإذا كانت الرياح هي التي تحمل السحاب إلى حيث شاء الله، فنسبه حمل ذلك الوقر إليها أظهر من نسبته إلى السحاب التي هي محمولة للرياح، وذلك في قوله تعالىوَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ } [الأعراف: 57] الآية.

فقوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً }: أي حتى إذا حملت الرياح سحاباً ثقالاً، فالإقلال الحمل، وهو مستند إلى الريح. ودلالة هذا على أن الحاملات وقراً هي الرياح ظاهرة كما ترى، ويصح شمول الآية لجميع ذلك.

وقد قدمنا مراراً أنه هو الأجود في مثل ذلك، وبينا كلام أهل الأصول فيه، وكلامهم في حمل المشترك على معنييه أو معانيه، في أول سورة النور وغيرها.

والقول بأن الحاملات وقراً: هي حوامل الأجنة من الإناث، ظاهر السقوط، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } [الذاريات: 3] أكثر أهل العلم على أن المراد بالجاريات يسراً: السفن تجري في البحر يسراً أي جرياً ذا يسر أي سهولة.

والأظهر أن هذا المصدر المنكر حال كما قدمنا نحوه مراراً: أي فالجاريات في حال كونها ميسرة مسخراً لها البحر، ويدل لهذا القول كثرة إطلاق الوصف بالجري على السفن كقوله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ } [الشورى: 32]. الآية، وقوله:إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [الحاقة: 11]، وقوله تعالىوَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } [الحج: 65] وقوله تعالى:ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } [الجاثية: 12] إلى غير ذلك من الآيات.

وقيل الجاريات الرياح. وقيل غير ذلك.

وقوله تعالى: { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً }: هي الملائكة يرسلها الله في شؤون وأمور مختلفة، ولذا عبر عنها بالمقسمات، ويدل لهذا قوله تعالى:

السابقالتالي
2